الإمارات والصين.. شراكة استراتيجية

00:08 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

د. صلاح الغول*

أبرق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مهنئاً الرئيس الصيني شي جين بينغ، بمناسبة إعادة انتخابه لولاية ثالثة رئيساً للحزب الشيوعي الصيني؛ ما يمهد السبيل لإعادة انتخابه رئيساً للصين لولاية جديدة في مارس/آذار المقبل. وفي زيارته للصين، في فبراير/شباط المنصرم، لحضور افتتاح أولمبياد بكين الشتوي، أكّد سموه ل«وكالة شينخوا» أنّ تعزيز العلاقات مع الصين أولوية في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، التي ستظل ملتزمة بترسيخ الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين وتعميقها.
 وترتبط دولة الإمارات والصين بعلاقات تاريخية، تعود إلى 3 ديسمبر/كانون الأول 1971 باعتراف الصين بدولة الاتحاد بعيد يومين من قيامها، وإن تأسست العلاقات الدبلوماسية بينهما في منتصف الثمانينات. وتنخرط الدولتان في شراكة استراتيجية منذ عام 2012، تحولت إلى شراكة استراتيجية شاملة منذ صيف 2018، بعد زيارة الرئيس شي أبوظبي عام 2018، ثم زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بكين، في العام الذي يليه. 
 وعقب طرح مبادرة «الحزام والطريق» الصينية في منطقة الخليج عام 2015، كانت الإمارات من أوائل الدول التي انضمت إليها، وأسهمت في تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ببكين، وضخت عشرة مليارات دولار في صندوق استثمار صيني-إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرقي إفريقيا. وتولي الإمارات أهمية خاصة للمبادرة، وخاصة أنشطتها البحرية، وتُعدها فرصة مواتية لتطلعاتها التنموية والاستثمارية إقليمياً ودولياً. 
 ومن هنا نفهم تصريحات الشيخ محمد بن زايد في لقائه مع الرئيس الصيني (يوليو 2019)؛ حيث أعرب سموه «عن استعداد الإمارات للمشاركة بفعالية في مبادرة الحزام والطريق عبر توسيع الاستثمار في الصين وإمدادها بالطاقة، وزيادة التبادل التجاري، وتعزيز التعاون في مجالات التمويل والطيران والمشاركة بين الأفراد، والمشاركة الثقافية، ودعم التعاون العلمي والتكنولوجي». وتنظر الصين إلى دولة الإمارات ليس فقط باعتبارها عضواً فعّالاً في مجلس التعاون الخليجي وأهم شريك تجاري في منطقة الشرق الأوسط، بل أيضاً باعتبارها بوابة العبور للتجارة والاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط وإفريقيا.  وقد تمت مأسسة العلاقات الإماراتية- الصينية عن طريق الزيارات المتبادلة بين قادة الدولتين، وتأسيس لجنة إماراتية- صينية مشتركة، والحوار الاستراتيجي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ومفاوضات إنشاء منطقة تجارة حرة بينهما، وعدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتكنولوجية والطاقة، وقطاعات التعاون العسكري والفضاء والاتصالات والتعليم والثقافة والرعاية الصحية وغيرها. 
 وهكذا، تقوم الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والصين على شراكة اقتصادية متنامية، وتبادل ثقافي وتعليمي واجتماعي، وتعاون أمني. فقد بلغ حجم التجارة السلعية نحو 72.4 مليار دولار عام 2021 بين الدولتين، اللتين تسعيان لتحقيق هدف 200 مليار دولار عام 2030. وتعد الصين أكبر شريك تجاري للإمارات على مستوى العالم. وبالمقابل، تعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة العربية؛ باستحواذها على 30% من إجمالي تجارة الصين غير النفطية مع الدول العربية، واحتلت المرتبة الأولى عربياً كواجهة للاستثمارات الخارجية الصينية.
 علاوة على ذلك، تحتضن الإمارات أكبر جالية صينية في المنطقة (أكثر من 300 ألف). وكان تأسيس مركز الشيخ زايد للدراسات العربية في الصين وافتتاح المدرسة الصينية في دبي، وهي أول مدرسة صينية في الخارج، لهما دلالة مهمة على مستوى التبادل الثقافي والتعليمي بين الدولتين.
 وعلى الرغم من ضآلة الدور الأمني للصين في منطقة الخليج، إلا أن هذا الدور يتوقع له النمو في المستقبل، عن طريق وجودها العسكري في البحر الأحمر عبر قاعدة جيبوتي، ومبيعاتها للسلاح، ولاسيما الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار، لدول المنطقة. كما أنّ المصالح الصينية المتنامية في دول الخليج سوف تستدعي إن عاجلاً أو آجلاً إطاراً دفاعياً مع هذه الدول لتأمينها.
 وبقدر ما نرى في المستقبل المنظور، فإنّ دولة الإمارات وجمهورية الصين تتجهان نحو تعميق شراكتهما الاستراتيجية الشاملة وتوسيعها، استناداً إلى عددٍ من العوامل، تأتي في مقدمتها المصالح الحيوية الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية والثقافية الناشئة التي تربط الدولتين، والقمة الخليجية-الصينية المرتقبة في السعودية، وتوجه الإمارات إلى ترسيخ سياسة خارجية تجاه الدول الكبرى، تستند إلى مبدأي التنويع والتوازن، كما ذكرنا في مقالات سابقة. وهذا التوازن ليس سلبياً، وإنما يتسم بطبيعة إيجابية تتصل بدور إماراتي مرغوب فيه للتوفيق بين القوى الكبرى المتنافسة؛ على أساس تمتع الإمارات بعلاقات إيجابية معها جميعاً.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

عن الكاتب:
كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية