عادي
اسأل الخليج

لماذا تعد باكستان الدولة الـ33 المشاركة في المونديال؟

12:43 مساء
قراءة 5 دقائق
إعداد: معن خليل
دخلت مدينة سيالكوت الباكستانية مرة جديدة تاريخ كرة القدم من بابه الواسع، كونها المدينة المصنعة لكرة القدم التي سيتم استخدامها في كأس العالم لكرة القدم 2022 التي ستقام في قطر والتي تحمل اسم «الرحلة».
واكتسبت مدينة سيالكوت شهرتها من كونها تصدر كرة القدم إلى العالم، وهي لا تلعبها؛ حيث تعد باكستان متيمة برياضة الكريكيت.
ولطالما جذبت سيالكوت اهتمام وسائل الإعلام الساعية للإضاءة على صادراتها من الكرات، حتى قيل إن منتخب باكستان أصبح المنتخب الـ33 المشارك في الحدث المونديالي، وإن لم يكن مشاركاً فعلياً.
ولا تحظى لعبة كرة القدم في باكستان باهتمام سكانها الذين يشتهرون ويبرعون برياضتي الكريكيت والهوكي على العشب، إلا أن مهارة أبناء مدينة سيالكوت في صناعة كرة اللعبة الشعبية الأولى في العالم، جعلتهم يتصدرون المشهد، حتى وصل الأمر بصحيفة «جلوبال بوست» الأمريكية إلى وصفهم بـ"أبطال بلا منازع" في صناعة الكرات منذ ما يقارب القرن من الزمن.
وسلطت وسائل الإعلام، الضوء على باكستان من خلال صناعتها للكرة المستعملة في المونديال، وعلى الرغم من أن البلاد عرفت هذه المهنة منذ 104 أعوام، وتحديداً سنة 1918 عبر شخص يُدعى سيد صاحب، وصنعت أربع كرات لكأس العالم أعوام 1982 و1994 و1998 و2002 فإنها لم تنل الشهرة العالمية التي تستحقها إلا عندما أوكلت «أديداس» لمصانع مدينة سيالكوت التي تقع على بعد 300 كيلومتر جنوب شرق العاصمة إسلام آباد مهمة المشاركة مع الصين في صناعة «برازوكا» الكرة الرسمية لكأس العالم 2014 في البرازيل.
موطن صناعة الأدوات الرياضية
وليست سيالكوت بالمدينة العادية في باكستان، فهي عُرفت منذ زمن بعيد بأنها موطن صناعة وإنتاج الأجهزة والمعدات الرياضية والطبية والجلود والملابس والآلات الحادة مثل السكاكين والسيوف والخناجر، كما تعد المدينة الوحيدة في العالم التي يشرف القطاع الخاص على تقديم معظم الخدمات الأساسية فيها، إلى درجة أن تجارها قدموا 2.5% من عائدات مصانعهم لمصلحة تطوير البنية التحتية في المدينة بما في ذلك بناء مطار دولي، لاستقبال شركات عالمية ترغب في التعامل معهم.
ولا يتعدى عدد سكان سيالكوت التي تُعرف بـ«مدينة الإبداع» 700 ألف نسمة، إلا أن عدد العاملين في مصانعها يصل إلى 600 ألف شخص مما يجعلها تستقدم الكثير من الأيدي العاملة من مدن قريبة أخرى، كما أن لدى أبناء المدينة الصناعية مقولة شهيرة تقول: «الكثير من الأوروبيين يعرفون سيالكوت ولكنهم يجهلون باكستان»، كما يفخرون أن الممثل سيلفستر ستالون استخدم سكاكين من صناعة مدينتهم عندما مثل دور «رامبو» في السلسلة الشهيرة.
ويعود تاريخ سيالكوت مع الصناعة الرياضية إلى عام 1883 عدما بنى سردار بهادور سينغ وسردار غاندا مصنعاً لإنتاج السلع الرياضية المصنعة من الخشب، لتلبية طلبات الجنود البريطانيين الذين كانوا يمارسون الكريكيت والهوكي على العشب والبولو.
وما زالت سيالكوت من خلال التعامل مع أكبر شركات الأدوات الرياضية مثل «أديداس» و«نايكي» و«بوما» وغيرها تشتهر حتى اليوم بصناعة معاطف سباق السيارات والدراجات النارية التي تنتج من الجلد الطبيعي ومضارب الكريكيت والهوكي، هذا إضافة إلى كرات القدم والطائرة واليد وغيرها من الألعاب.
سيد الصناعة
أما علاقة سيالكوت بكرة القدم فتدين بها إلى شخص يُدعى سيد صاحب الذي كان يعمل في مصنع «أوبروي» وجاء يوماً أحد الجنود البريطانيين طالباً إصلاح كرته وأوكلت المهمة إلى سيد الذي لم يكتف بخياطة الكرة؛ بل أيضاً بإعادة هندستها بشكل مغاير للشكل الذي كانت عليه، ومنذ ذلك الحين أصبح معروفاً بأنه «أب صناعة كرة القدم الباكستانية».
أصبح لسيد صاحب الذي يوجد شارع باسمه في مدينة سيالكوت مصنعه الخاص، وقد منحته الحكومة البريطانية عام 1922 مهمة توريد كرات قدم لجنودها في سنغافورة، مما أعطى صناعته بعداً عالمياً، وقد توارثت هذه المهنة الأجيال المتعاقبة وصولاً إلى أيامنا هذه.
والغريب في سيالكوت المدينة الثرية أنها تصنع كرة القدم ولا تمارسها؛ بل تلعب الكريكيت؛ حيث يوجد فيها ناد معروف في اللعبة سبق له الفوز بالبطولة الوطنية، كما تملك ملعباً للغولف وتنظم بطولة معروفة فيه.
وعلى الرغم من أن سيالكوت تشارك مدناً أخرى في المغرب والصين والهند وفيتنام وسنغافورة وتايلاند صناعة كرة القدم، فإن حرفية عمالها جعلتها الأولى في هذا المجال وهو ما أعطاها شرف إنتاج كرة مونديال 1982 المعروفة باسم «تانغو إسبانيا» والتي كانت آخر الكرات التي تتم صناعتها من الجلد الطبيعي.
كما عادت مصانع سيالكوت إلى الواجهة المونديالية بعدما كُلفت من «أديداس» بصناعة «كويسترا» وهو اسم الكره التي استعملت في كأس العالم عام 1994، ومن ثم عبر «تريكوكلر» في نسخة عام 1998 التي صنعت في المغرب وباكستان وكانت أول كرة ملونة على الإطلاق وابتعدت عن نمط الأبيض والأسود الذي كان سائداً.
وأعطيت سيالكوت حصرية صناعة «فيفيرنوفا» في مونديال 2002، قبل أن تغيب عن المشهد لمصلحة تايلاند عام 2006 والصين في 2010، إلا أن عجز مصانع الأخيرة عن تلبية الطلب المتزايد لشركة «أديداس» جعلتها تلجأ إلى مصانع المدينة الباكستانية للمساعدة.
واحد من مالكي تلك المصانع كان مسعود آختار الذي حقق حلمه بصناعة كرات رسمية لكأس العالم واستأثر بالأضواء الإعلامية بسبب ذلك، وقد أكد أنه نجح في المنافسة مع أسواق عملاقة وعلى رأسها الصين، بسبب العمالة الرخيصة في باكستان؛ حيث إنه يدفع للعمال لديه 102 دولار أمريكي شهرياً.
وكان آختار من موردي كرات لـ«أديداس» في مونديال 2006 لكن لأسباب دعائية وليس للاستعمال الرسمي في المباريات وهو العقد الذي فازت به مصانع في تايلاند.
ويروي آختار كيف أن مندوبي الشركة الألمانية أقنعوه بالتحول إلى العمل الآلي بدلاً من اليدوي بعدما فوجئوا بأنه يمتلك مصنعاً من العصر الحجري.
ولا يعني ذلك أن الكرات المصنعة يدوياً لا تلقى قبولاً؛ بل على العكس، الطلب عليها يزداد كما يقول عريف محمود شيخ رئيس رابطة مصنعي المنتجات الرياضية في سيالكوت الذي أكد أن «الكرة التي تخاط يدوياً في باكستان لا يزال يشتد عليها الطلب في أوروبا على الرغم من وجود الكرات المصنوعة بالماكينات والتي لا تظهر فيها الخياطة».
وتستخدم معظم الكرات اليدوية في أغراض الترويج والتسويق لدى أكبر شركات البطاقات الائتمانية في العالم ومطاعم الوجبات السريعة وشركات الأجهزة الرياضية، كما أنها أخف على الرأس وأكثر دقة عند تصويبها.
معاناة
وعانت مصانع سيالكوت المقاطعة في بعض الأحيان، بسبب عمالة الأطفال التي أطلقت على مصانعها حملة واسعة عام 1990، وقد هاجمت الصحافة الغربية أرباب العمل الذي يجعلون من هم دون السن القانونية يعملون أكثر من 80 ساعة في الأسبوع مقابل رواتب زهيدة، كما أن صحيفة بريطانية كتبت مقالاً عن «كرة الظلام»، مما أدى إلى توقيع غرفة تجارة سيالكوت اتفاقاً مكتوباً في فبراير/ شباط عام 1997 عُرف بـ«اتفاق أتلانتا» نص على إيقاف تشغيل الأطفال.
واليوم يبدو الالتزام واضحاً بمعايير العمالة؛ حيث يمنع الأطفال من دخول المصانع للعمل مع وجود مراقبة شديدة من قبل منظمة العمل الدولية والشركات الكبرى المصنعة للأدوات الرياضية، وهو ما يفسر ازدياد عدد النساء بشكل مطرد منذ أن بدأ المنع.
وتنتشر على مداخل مصانع كرة القدم لافتات كتب عليها «لا يسمح بالدخول لمن هم دون 18 عاماً» و«حاربوا عمالة الأطفال».
على العموم تشكل سيالكوت حالة خاصة في عالم صناعة كرة القدم، وهي التي تورد كرات لبطولات كبرى مثل كأس العالم ودوري أبطال أوروبا منذ عام 2000 وبطولة أمم إفريقيا والدوري الألماني والفرنسي والسويدي؛ لذلك ليس غريباً أن تنتج نحو 60 مليون كرة قدم سنوياً، لتستحوذ وحدها على نحو 70% من إجمالي الإنتاج في العالم.
ويبلغ إجمالي قيمة صادرات المدينة سنوياً ملياراً و300 مليون دولار سنوياً، بما يقارب 4% من إجمالي الدخل القومي، وهو ما يجعل سيالكوت تلعب دوراً في العجلة الاقتصادية لباكستان.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3unjep

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"