الاحتباس الحراري والكوارث البيئية

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

من أشد الكوارث البيئية التي تكاد تفتك بكوكب الأرض الظاهرة التي يُطلق عليها العلماء ظاهرة «الاحتباس الحراري»، أو زيادة نسبة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما أدى إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض أعلى من المعدلات الطبيعية.

وقد ظهرت هذه المشكلة كأثر من آثار الثورة الصناعية التي اعتمدت في بدايتها على الآلة المتحركة التي تُدار بالوقود الأحفوري من فحم ونفط. وقد فاقم التقدم الصناعي في القرن العشرين من حجم هذه المشكلة، فأصبحت هناك دول صناعية متقدمة مثل: الولايات المتحدة وألمانيا، تطلقان كل يوم كميات هائلة من الغازات السامة من عوادم الآلات والمصانع التي تنفث يومياً ملايين الأطنان من الأبخرة والعوادم الضارة التي تسهم في تفاقم ظاهرة «الاحتباس الحراري».

ومع انتشار رقعة الإنتاج الصناعي أواخر ذلك القرن، لتشمل مناطق واسعة في العالم، زادت المشكلة تفاقماً، ما استدعى المجتمع الدولي إلى التحرك لإنقاذ الأرض من عبث الإنسان. وقد بدأ الاهتمام بالمناخ منذ عام 1994 عندما وقّعت الدول المنضوية تحت هيئة الأمم المتحدة على اتفاقية المناخ. وكذلك شكلت اتفاقية باريس للمناخ، خطة لتجنيب الإنسانية كارثة مناخية، وتعهد جميع الموقعين بما يلي: تخفيض انبعاث غازات الدفيئة، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة، والحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين، مع وضع هدف إيصالها إلى 1.5 درجة مئوية، والالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع تأثير تغير المناخ.

وتعد منطقة البحر المتوسط من المناطق الساخنة عالمياً من حيث تغير المناخ، إذ من المحتمل أن يترك الاحترار العالمي والجفاف، أثراً سلبياً كبيراً على البيئة والأنشطة البشرية في هذه المنطقة. ويشير تقرير التقييم المتوسطي الأول، الذي صدر مؤخراً عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (بونيب)، إلى أن تغير المناخ في حوض المتوسط يقع بوتيرة أسرع من المعدلات العالمية، فالمعدل السنوي الحالي لدرجات الحرارة في البر والبحر في حوض المتوسط أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية مما كان عليه الحال في عصور ما قبل النهضة الصناعية، وقد يرتفع بمقدار 3.8 إلى 6.5 درجة مئوية بنهاية هذا القرن، ما لم تتخذ إجراءات جدية للحد من تغير المناخ.

وقد أعد التقرير خبراء «الخطة الزرقاء»، في إطار«برنامج عمل المتوسط»، وتم تقديمه ومناقشته في الاجتماع السنوي التاسع عشر الذي عقدته «لجنة البحر المتوسط للتنمية المستدامة» في سلوفينيا. وينوّه التقرير، إلى أن تغير المناخ سيعزز موجات الحر في البر والبحر مدةً وشدةً. وأن يقل معدل الهطول الصيفي بنسبة 10 إلى 30 في المئة في بعض المناطق، مما يؤدي إلى تفاقم شح المياه وزيادة التصحر ونقصان الإنتاجية الزراعية. وكذلك سوف ترتفع درجة حرارة البحر في المناطق العميقة من البحر المتوسط أكثر مما ترتفع في بحار العالم الأخرى.

ويخلص تقرير التقييم المتوسطي الأول إلى أن جميع بلدان البحر المتوسط تملك القدرة على تخفيف تغير المناخ من خلال تسريع التحول في مجال الطاقة، وتسريع الاعتماد على الطاقات النظيفة والمتجددة. وتتميز بلدان الضفة الشمالية للمتوسط، وهي دول أوروبا، بأنها تتجه بوتيرة متسارعة نحو الطاقة البديلة، لكن دول الضفة الجنوبية والشرقية، وهي الدول العربية فإنها لا تزال بعيدة عن إطلاق برامج التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وقد لعبت الثورات في بعض تلك الدول دوراً سلبياً للغاية، حيث أعادت تلك الدول إلى نقطة الصفر، فلم تتمكن تلك الدول من تنفيذ التزاماتها الدولية تجاه تغير المناخ.

كما أن البلدان الغنية لم تنفذ التزاماتها بتقديم الدعم الكافي لتلك الدول. وهكذا فإن المنطقة العربية المتوسطية قد تشهد تغيرات مناخية سيئة ستنعكس على نمائها وتطورها، لكن هل تبادر الدول الغنية إلى تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية باريس للمناخ، وتقدم التمويل الكافي للدول العربية المتوسطية لكي تنهض ببرامج التحول البيئي والمناخي وبما يطابق المعايير العالمية المطلوبة؟

ولهذا الهدف يأتي انعقاد قمة تغير المناخ COP27 في شرم الشيخ في مصر، وبمشاركة شخصيات دولية من أجل تنفيذ التعهدات والمبادرات وقرارات الأمم المتحدة حول البيئة والاحتباس الحراري.

فمن المعلوم أن المخاطر البيئية عندما تُكشر عن أنيابها لا تُميز بين الدول، ولا تُصنف الأفراد، إذا تعم تلك الكوارث جميع الأفراد، وتصيب جميع الدول مهما تحصنت بتقدمها العلمي والتكنولوجي. وقد رأينا في قلب أوروبا عشرات الأفراد يلقون حتفهم نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، فإذا لم تتكاتف دول العالم أجمع للحد من ارتفاع درجة الحرارة، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن الخطر سوف يطول الجميع، ولن ينجو منه أحد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2set4b9e

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"