القطب الشمالي الساخن

20:56 مساء
قراءة 4 دقائق

دانييل بوكوف *

يذوب القطب الشمالي بشكل أسرع من أي وقت مضى، لكن البرودة التي شابت الاجتماع العالمي لخبراء القطب الشمالي هذا العام (منظمة آركتيك سيركل)، كانت مرتبطة بشكل مباشر بالتداعيات الآخذة في الاتساع للحرب في أوكرانيا.

فقد وصلت العواقب الكوكبية لتلك الحرب إلى ما هو أبعد من تعطيل جهود المناخ في أوروبا، حيث دفع نقص الغاز الحكومات إلى إعادة تشغيل محطات الفحم. وأدى الصراع أيضاً إلى تكثيف السباق بين القوى العظمى من أجل الصعود في القطب الشمالي، مما زاد الضغط على النظام البيئي الهش للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري.

لم يكن هناك مثل هذا التركيز على الامتداد المتجمد الذي يغطي الأرض منذ الحرب الباردة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف ساحل القطب الشمالي ينتمي إلى روسيا، مما حول المنطقة إلى مصدر قلق أمني متزايد للولايات المتحدة، التي لها موطئ قدم أيضاً عبر ألاسكا.

ونتيجة لذلك، اتخذت منظمة القطب الشمالي «آركتيك سيركل» لهذا العام عقد قمة جيوسياسية بدلاً من اجتماع خبراء المناخ والتنمية، في حين كانت روسيا غائبة بشكل ملحوظ عن الحدث الذي أقيم في وقت سابق من هذا الشهر في قاعة «هاربا» الموسيقية الشهيرة في العاصمة الآيسلندية ريكيافيك، ويهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التنوع البيولوجي والمناخ والتلوث في القطب الشمالي وكوكب الأرض.

لقد أدت الحرب في أوروبا بالفعل إلى إفساد جهود التعاون المناخي الإقليمي، وتوقفت منذ بدء الأزمة الأوكرانية اجتماعات منظمة القطب الشمالي. وفي حين أن المناخ لا يزال أحد أعمدة السياسة الأمريكية، يرى مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليت أن للأمن الأولوية القصوى. فالولايات المتحدة مثلما هي قلقة من أي تحرك روسي لتقييد حرية الملاحة أو بناء قوات عسكرية أو اختبار أسلحة عالية التقنية في القطب الشمالي، قلقة أيضاً من اهتمام الصين المتزايد بالمنطقة.

وفي عام 2014، أنشأت روسيا قيادة شمالية لها، وافتتحت عدة مواقع عسكرية جديدة وسابقة في القطب الشمالي، وطورت غواصات نووية حديثة لعمليات القطب الشمالي، بما في ذلك غواصة «Arcturus»، التي يمكنها نشر طائرات مائية بدون طيار وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت.

في المقابل، لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي، وعملت مع كندا لتنشيط قيادة الدفاع الجوي المشتركة. وبمجرد اكتمال انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، ستكون روسيا الدولة القطبية الشمالية الوحيدة خارج ذلك التحالف الدفاعي الرئيسي، والذي تم تأسيسه خلال الحرب الباردة كحصن ضد التوسع السوفييتي في أوروبا.

مما سبق، تتأكد التوقعات الكبيرة بأن العالم يعود إلى عصر القوى العظمى التي تتنافس على الموارد والأمن، بدلاً من التعاون على المناخ. وإذا كانت الجغرافيا السياسية تهمش الجهود المبذولة لإبطاء ذوبان القطب الشمالي، فإن تغير المناخ يٌقوّض في نفس الوقت ما كان، حتى زمن قريب، أفضل آلية دفاعية للمنطقة والمتمثلة بعدم إمكانية الوصول إليها.

فقد القطب الشمالي حوالي 40 في المئة من جليده منذ الثمانينات، وهو الآن يسخن أسرع بنحو أربعة أضعاف من بقية العالم. وهذا يفتح الباب أمام حركة النقل البحري والتنمية الاقتصادية التي من المتوقع أن تؤدي إلى تضخيم آثار الاحتباس الحراري. وكانت درجات الحرارة فوق المحيط المتجمد الشمالي هذا الصيف أعلى من 1 درجة مئوية إلى 4 درجات مئوية من متوسط 20 عاماً، وذلك وفقاً لمركز بيانات الثلج والجليد الوطني ومقره كولورادو.

لسنوات، استفادت روسيا من طريق بحر الشمال، وهو قسم رئيسي من «الممر الشمالي الشرقي» الذي يربط المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي عبر القطب الشمالي. ويمتد هذا الطريق عبر المنطقة الاقتصادية الخاصة بروسيا، وهو غالباً ما يكون خالياً من الجليد في الصيف ويمكن أن تجعله كاسحات الجليد الروسية متاحاً للدول الصديقة شتاءً. وعبر طريق الدائرة القطبية الشمالية هذا، يمكن أن تستغرق الرحلة من اليابان إلى أوروبا 10 أيام فقط مقارنة بأكثر من 20 يوماً عبر قناة السويس، وأكثر من 30 يوماً يحتاج إليها الإبحار حول رأس الرجاء الصالح.

أما منافسه «الممر الشمالي الغربي» الأسطوري، على الجانب الكندي، فلا يزال اجتيازه أكثر صعوبة. وفي ظل العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا، والتي أدت إلى انهيار النقل الدولي على طول طريق بحر الشمال هذا العام، يمكن أن يصبح الممر الشمالي الغربي أكثر جاذبية للشحن، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.

ويبقى خيار الممر الثالث «الافتراضي»، الذي يفترض ذوبان جليد القطب الشمالي تماماً، وجميع المؤشرات تشير إلى أن هذا الأمر سيحدث ربما قبل منتصف القرن. وبذلك سيسمح طريق الشحن عبر القطب الشمالي للسفن بالسفر مباشرة فوق القمة، عبر المياه الدولية، وتجنب التداخلات مع أي جهة على طول الساحل.

لكن المقايضات ستكون شديدة، حيث سيؤدي اختفاء الغطاء الجليدي في جرينلاند، ثاني أكبر كتلة جليدية في العالم، إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 6 أمتار، مما يهدد الجزر والسواحل على بعد آلاف الكيلومترات. كما ستصبح مساحات شاسعة من الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا شديدة الحرارة بحيث لا يمكن العيش فيها. ومهما كان حجم المكاسب المالية المحققة، سيُمحى، بفعل المزيد من العواصف الشديدة والفيضانات والحرائق والجفاف في جميع أنحاء العالم.

*صحفية كندية تعمل في «بلومبيرج نيوز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdduph8u

عن الكاتب

صحفية كندية تعمل في «بلومبيرج نيوز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"