لقاء الضدين في بالي

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لا تبدد المصافحة الحارة والابتسامات المتبادلة بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، في جزيرة بالي الإندونيسية، الغيوم الكثيفة التي تلبدت بها سماء العلاقات بين البلدين، لكنها يمكن أن تشكل فرصة لالتقاط الأنفاس، ومحاولة لوضع خطة لإدارة الخلافات، وجعلها تحت السيطرة، حتى لا تنفلت إلى صراع مفتوح.

يبدو الطرفان، الأمريكي والصيني، على قناعة بأنهما يشكلان قطبين يقفان على طرفي نقيض ولا يلتقيان إلا قليلاً في بعض السياسات. والتباين بينهما لا يبدأ باضطراب العلاقات التجارية ولا ينتهي بالخلاف بشأن تايوان، إذ إن لكل منهما رؤية تعتبر الآخر خصماً استراتيجياً يهدد بقاءه ومصالحه، وفي بعض الأحيان كادت العلاقة أن تصل إلى درجة العداوة المطلقة والتفكير في اندلاع صراع مسلح.

وقد حدث ذلك في مناسبات عدة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، وعندما زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي تايبيه الصيف الماضي حبست منطقة جنوب شرقي آسيا أنفاسها خشية رد فعل من بكين على تدخل في قضية تعتبر من جواهر سيادة الصين.

وقبل ذلك كانت الاستفزازات الأمريكية جارحة، خصوصاً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كال الاتهامات جزافاً إلى الصين محملًا إياها المسؤولية عن منشأ فيروس «كورونا» وانتشار الجائحة الصحية في العالم، وقد استطاعت بكين أن تمتص كل تلك الهجمات، وأخذت تعد العدة لصراع مفتوح تحقق من خلاله هدفها المعلن بانتزاع صدارة العالم، وفق ما أقره مؤخراً المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الحاكم.

من مصلحة المجتمع الدولي أن يلتقي الكبار ويجتمعوا على المصالح المشتركة والتعاون في ما يهم الشأن الإنساني وتخفيض التوتر وقطع جذور الصراعات، ولكن هذه المعادلة تبقى مثالية ولا تستقيم مع فلسفة الصراع المتحكمة في العلاقات بين الدول العظمى. فأي قوة لن تقدر حجمها أو تبني مشروعيتها إلا امتحنها التنافس مع خصوم وحتى أعداء. وما يدور بين الولايات المتحدة والصين لا يخرج عن هذه القاعدة، وهذان البلدان مهما بلغا من القوة والهيمنة لن يستطيعا تقرير مصير العالم الذي يتجه إلى مرحلة جديدة تقوم على تعدد الأقطاب. وفي وقت تسعى فيه واشنطن إلى ضبط علاقتها مع بكين، تقف في خندق مضاد لقوة عظمى أخرى هي روسيا، التي تبقى قريبة لبكين، وهناك تنسيق بينهما أقرب إلى التحالف، تماماً كما هو الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى واشنطن.

لقاء بايدن وشي بينغ لن يغير من طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، فمثل هذه القمم تبقى سطحية ولا تنفذ إلى صميم العقيدة السياسية التي لن تتغير بسهولة لأنها تتعلق بالخصوصية والهوية والمشروع سواء لهذا الطرف أو ذاك حتى يسقط أحدهما أو يستمر الصراع إلى ما لا نهاية. وبهذا المنطق لا يمكن أن تصبح واشنطن وبكين حليفتين في يوم ما، ولا أن تنضم الصين، كما روسيا، إلى حلف «الناتو». ومثل هذه الفرضيات غير قابلة للتحقيق، بمعطيات عالم اليوم، بما يسمح باستمرار المنافسة، وقد ينجح البلدان في إدارة الخلافات مؤقتاً، ولكن الأفق ينبئ بصراع طويل الأمد مفتوح على كل الجبهات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/6e8a525h

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"