الإبداع حرية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

كثيراً ما سمعت ممن اختار مسار الحياة الإبداعية ليحيا وتكون مصدر رزقه، أنه حر، يملك نفسه ووقته، وكثيراً ما قيل لي إن القيود الكثيرة ولا سيما في الوقت أنها تقتل حالة الإبداع، وتجمده، ولربما جعلت المرء يصل لمرحلة الجفاف والنفور، إما لضيق وقته أو انسحاب مخزون طاقته، فهل حقاً الإبداع حرية؟.
يصل المرء في وقت ما من عمره وهو يفكر فيما مضى، وكيف قضى حياته، حتى ما يدرك أن الحياة عنده لم تساوِ بعضاً من أحلامه أو رغباته، وتطلعاته، ولربما قاس معيار الراحة والسعادة والاستقرار النفسي فوجدها معدومة نوعاً ما لانشغالاته بتفاصيل تهم الآخرين، وترتقي بتلبية احتياجات الآخرين، وقد يكون ذلك من أجل العمل، الأسرة، الأصدقاء والمجتمع، ويبقى هو خارج المعادلة الأهم في وجوده وهو «هو». 
هل نحن اليوم مع ترك الوظيفة المقيدة المرهقة، والسعي وراء الشغف والهواية والتعب المهلك لكنه الممتع اللذيذ؟ إن قرار حكومة دولة الإمارات بمنح المواطن حالة من التفرغ تستمر لعام، هي إحدى الوسائل المهمة التي قد تزيل عن المرء همّ التفكير أيهم أفضل، وكيف يتحرر من قلق التفكير في الاختيارات الأصح له، هذه السنة قد تعطيه بعداً جديداً في الحياة، ونفسه وما يملك من إمكانيات، يسابق شغفه، ويحرر طاقته المسلوبة. ينصت لكل ما يعتريه ويطلق صوتاً حقيقياً عالياً، وحينها فعلاً سيكون «الإبداع حرية»، حريته من زاوية ما وانطلاقه لزوايا كثيرة قد تولد لنا جيلاً مبدعاً جديداً في حالة انفجار جديدة، ولا أعني ذلك فقط في الأعمال الحرة، ولكن حتى في الفنون البصرية والسمعية والمرئية، في الثقافة والتدريب، في كل ما يملكه المرء من حالة إبداعية وموهبة محبوسة في درج مكتب ما.
نريد وضوحاً أكثر في كيفية التفرغ، وكيف يمكن للمسؤولين أكثر أن ينتبهوا بأن هناك مواهب تذبل بسبب الكثير من القيود، تحتاج أن تتحرر من النظرة المجتمعية المعهودة بأن الإبداع والفن ليس ذا أولوية، من نظرة الأهل أن ابنهم أو ابنتهم يجب أن يتخصص في المألوف لأن العرف جرى على ذلك، وتئد حالات من جيل مبدع متفرد، أن نتحرر من قيد أن الوظيفة هي الأهم وهي المسار الحقيقي في الحياة لنخدم وطننا، الوطن يخدم بكل شيء وفي كل شيء ولا يعيب المبدع فنه، ولا قلة حيلته أحياناً، وقد أقول إفلاسه حتى يعود ويقف على قدميه.
 الدعم لا يزال مطلوباً، وأن ننظر للحالات المبدعة المقيدة بعامل الوقت بنظرة تفحص وإدراك لما نفقد وسنفقد غداً، اليوم ونحن على أعتاب ال50 القادمة لا بد من حالة توازن أكثر بين العلوم كلها، وأن لا نترك المبدع يصارع وحده كل التحديات التي لربما ستقوده لأن يرحل عن عالم الإبداع ويبقى في قيده، نريد تعزيز وجوده، وتحريه من كل شيء إلا مما يحب..!
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pnp3k24

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"