ضمانات الانتقال السوداني

01:01 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

رسمت الأحاديث حول توقيع الاتفاق الإطاري بين قوى الانتقال السياسي والمكوّن العسكري في السودان، صورة مثالية لبلد يعالج مشكلاته المزمنة، ويحاول الخروج من عنق الزجاجة.

لكن السؤال الذي يؤرّق الكثيرين داخل أروقة الطبقة السياسية والمراقبين، وعامة أفراد الشعب السوداني، يتلخّص في الضمانات التي توفر عامل النجاح والديمومة لهذا الاتفاق السياسي، الذي جاء بعد مخاض طويل وتجربة سابقة تميزت بالارتباك وانتهت بالفشل.

ينقسم الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه الأسبوع الماضي إلى شقين، يتعلق الأول منهما بإعلان نوايا إذا صحت التسمية، بينما تم ترحيل القضايا الأخرى إلى مرحلة تالية لم تبدأ بعد. وتعتبر القضايا المرحّلة إلى مرحلة المفاوضات التالية، هي الأهم والأشد إثارة للجدل. وتتضمن بنود المرحلة الثانية من الاتفاق، إعادة فتح اتفاق جوبا للتفاوض والتعديل، باتجاه تحويله إلى وثيقة سلام قومية شاملة، ومناقشة قضية العدالة الانتقالية، وتفكيك نظام «الإخوان» السابق، إضافة إلى إصلاح المؤسسة العسكرية وتوحيدها.

وهي قضايا، كما يبدو واضحاً، شديدة التعقيد وشائكة. ولإضافة مزيد من التعقيد على العملية، فإن الاتفاق لا يضمن اقتصار التفاوض في هذه المرحلة على الطرفين الموقّعين على الاتفاق المبدئي، لكنه يشترط انخراط قوى أخرى مشاركة في العملية السياسية ومعارضة للاتفاق، في مفاوضات المرحلة النهائية، من أجل تحقيق الوفاق، وهو أمر ليس من السهل تحقيقه بسبب عمق الخلافات القائمة.

ومن دون أي حديث عن ضمانات التطبيق يقول الموقّعون على الاتفاق إنه سيعمل، في نهاية الأمر، على إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، وتنظيم عملية انتخابية شاملة في نهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهراً، على أن يتم تحديد متطلباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة.

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن حول الوضع في السودان، وصف رئيس البعثة السياسية للأمم المتحدة فولكر بيرتس، توقيع القادة العسكريين والمدنيين على الاتفاق السياسي ب«المشجع»، لكنه أبدى مخاوف بشأن إمكانية انحراف المسار السياسي جراء التحديات والمفسدين.

ويمكن اعتبار تصريح المسؤول الدولي إنذاراً مبكراً بحجم التحديات التي تحيط بهذا الاتفاق، وافتقاره إلى ضمانات التطبيق الفعّال.

ومن بين أبرز التحديات التي تواجه التوافق الوطني، الانقسامات الكبيرة بين الأحزاب والقوى السياسية، وعجزها عن التوصل إلى تفاهمات مقبولة حول القضايا الخلافية. ويقول مراقبون إن امتلاك القوى السياسية القدرة على عبور خلافاتها يمكن أن يعدّ ضماناً لنجاح الاتفاق وتشكيل حكومة مدنية انتقالية آمنة وفاعلة، تقود مسار التحول الديمقراطي. وفي الواقع، فإنه لا توجد أي ضمانات للوصول إلى هذه المرحلة الواقعية من العمل السياسي، على الرغم من أن الخلافات الحزبية أسهمت بقدر كبير في إسقاط تجربة الانتقال الأولى.

هناك أيضاً قضية اتفاق جوبا الموقّع مع جماعات مسلحة محدّدة من دارفور والنيل الأزرق، وعمّق توقيعه الانقسامات الموجودة أصلاً، كما أنه فشل في إقرار السلام في المنطقتين.

هذه القضية ستشكل عائقاً أمام اتفاق الوضع النهائي، مع رفض قادة حركات دارفور إصلاحه وتعديله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/hfscjd98

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"