- -كتابتها النثرية تكشف عن ثقافة واسعة
تكرر خلود المعلا في شعرها صورتين،.. صورة السحاب أو الغيم، وصورة المطر، فمن أين جاءها الشعر؟.. من السماء أم من الأرض، وليس بعيداً إن جاءها من الاثنين. من السماء بوصفه هدية وإلهاماً وروحاً وجودية ذاتية، كما جاءها الشعر من الأرض، ولهذه حكاية، فهي في إحدى حواراتها الصحفية تعود إلى طفولتها وتتذكر أن منبع شعرها كان جدّها لأمّها. الرجل المتدين قارئ القرآن في الفجر، وكان أيضاً شاعراً «يدوّن أبيات قصيدته كلّما لاح طيفها»، لا بل كانت أمّها أيضاً تقول الشعر «كانت شاعرة لها صيتها، وحدها أمي، من بين أخواتها أخذت من جدي هذه الموهبة. كانت بوّابتي الثانية، الرّوح التي حلّقت بي في عالم القصيدة وأنا أدوّن قصائدها التي اعتدت أن أكتبها بخطي لها. من خلال أمي وجدّي دخلت عالم القراءة والكتابة».
- فرحة بالحياة
تنظر خلود المعلّا دائماً إلى أعلى. تقول: «أحرس السحاب في غفوته كي لا تبدّده الرياح»، وفي مكان آخر تقول: «أفكر في الغيم، فيمطر قلبي عشقاً»، وهما صورتان شعريتان تفصحان عن الروح المتفائلة عند شاعرة تكتفي بالسحاب، لا بل أصدرت في العام 2017 مجموعة بهذا العنوان «أكتفي بالسحاب» وللسحاب رمزياته العديدة: السحاب يحيل إلى الحركة. إلى عدم الثبات. إلى السفر. إلى الانتقال من أفق سماوي إلى آخر. ثم السحاب يحيل إلى المطر. الخصب والوعد والرقة. وهي معاً واحدة من خصائص شعر خلود المعلا التي يكثر في نصوصها ضمير المتكلم.. «حرّة تماماً/ أنظر من نافذتي الضيّقة/ فأرى الكون كاملاً/ تنجلي أسراره الكبرى/ هكذا/ حرّة تماماً أُلوّن تفاصيلي الصغيرة بلون الثلج».
ضمير المتكلم في الكتابة يكشف غريزياً عن البوح، والرغبة في السرد. في الحكي. ونرى بشكل عام أن قصيدة ضمير المتكلم هي قصيدة قول أو قصيدة مُخَاطَبَة، ونحن بطبعنا الإصغائي عادة نحب الحكي، غير أن خلود المعلا لا تغرق في (المتكلم) الحكّاء. لا تغرق في سرد يأخذ القصيدة إلى التفصيل والتداعيات والتكرار. بل قصيدتها (ملمومة، مضبوبة) إن جاز الوصف. إنها قصيدة الصورة والبلاغة - الموجزة شأنها شأن شعر قصيدة النثر الشبيهة بالومض. أو الضوء، لا بل كثيراً ما يقال - عن شعر النثر أنه شعر الهمس. شعر الكلام القليل أو شعر الصوت الهادئ - البعيد عن الصخب والقرقعة اللفظية المؤذية.
في العام 1999 أصدرت خلود المعلا مجموعتها (وحدك) في القاهرة، وكانت مجموعتها الأولى (هنا ضيعت الزمن) صدرت أيضاً في القاهرة، أي أن البدايات كانت في مصر، وبالطبع أو بالضرورة ستكتسب خلود المعلا أثراً إيجابياً إبداعياً وفكرياً وجمالياً من البيئة الثقافية والاجتماعية في مصر ذات النخب القارئة بمعايير مثقفة دائماً، وهي ميزة لها أن تصدر شعرها الأول في بلد متعدد «الأعراق الأدبية» إن صحّ القول، ففي مصر تتجاور الشعريات بكل ثقة من دون أي خوف أو حذر من هذا التجاور: العمودي الكلاسيكي إلى جوار التفعيلي، والاثنان إلى جوار النثر.. ومثل هذه التجاورات في الشعريات المصرية هناك أيضاً تجاورات في الرواية. إلى جانب نجيب محفوظ، يوسف القعيد ويوسف إدريس، وإلى جوارهما الخرّاط، والغيطاني وصنع الله وإلى آخره من السرديات المتجاورة، أو المتنافرة أحياناً، أو تلك التي تدور في أفلاك خاصّة بها.
- تكريس
.. هل يكرّس الشاعر اسمه على نحو ثقافي أعمق حين ينشر شعره في أكثر من عاصمة أو في أكثر من بلد يتميّز بالثراء الثقافي والأدبي - والنقدي؟ ربما، وفي حالة خلود المعلّا هي بالفعل صوت شعري عربي حاضر في الفعاليات والمهرجانات ومعارض الكتب. شاعرة مقروءة حقيقة بأكثر من قلم نقدي عربي، ونقلت أشعارها إلى العديد من لغات العالم: الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، التركية، واستحقت ثقة نخب شعرية عربية وعالمية - اختارتها بكل محبة عضواً شرفياً في مؤسسة بيت الشعر في كوستاريكا، ومستشارة للمهرجان العالمي للشعر المقام سنوياً دورياً في العاصمة سان خوسيه.
تكتب خلود المعلا النثر أو النثر الصحفي في أُطر محددّة، لكن هذه النثرية الإبداعية تكشف عن ثقافة واسعة لها، والأهم من ذلك هو حساسيتها الأدبية الشفافة ورأيها الثقافي بعيداً عن التعصّب لأي - فكر أو شكل من أشكال الكتابة.
نقطة مهمة أن نشير إلى عدم وجود أي نزف أو تطرّف في لغة أو في رأي عند هذه الشاعرة التي تلوّن الكتابة بالغيم والضوء مرة ثانية بضميرها المتكلم، وبضميرها الأدبي والثقافي الذي التقى مع شعريات العالم.