العرب والصين.. شراكة استراتيجية

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

تمتد العلاقات العربية – الصينية إلى فترات تاريخية قديمة، بفعل التواصل الحضاري والثقافي، الذي بدأ مع انطلاق الرحلات الاستكشافية من الجانبين، كما هو الشأن بالنسبة للرحالة الصيني «تشانغ تشيان»، أحد أهم رواد شق طريق الحرير، والرحالة المغربي ابن بطوطة، قبل أن تتعزز هذه العلاقات بفضل القوافل التجارية فيما بعد.
 لقد مثلت المنطقة العربية بوابة لانفتاح الصين على الجزء الغربي من القارة الآسيوية وأوروبا، فيما تشير الدراسات التاريخية إلى أن الحضارتين أسهمتا معاً بإنجازاتهما المختلفة، في تطوير الحضارة الإنسانية، فيما شكّل وصول الإسلام إلى الصين في منتصف القرن السابع الميلادي عاملاً دعّم هذه العلاقة.
 سارعت الكثير من الدول العربية إلى الاعتراف بالصين الشعبية في أعقاب ثورة 1948، فيما سعى الطرفان إلى تعزيز جهودهما داخل عدد من المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز؛ حيث دعمت بكين القضية الفلسطينية، وأيّدت استقلال عدد من الدول العربية، فيما حرصت هذه الأخيرة من جانبها على التأكيد على وحدة الصين ورفض التوجهات الانفصالية لتايوان. ومنذ إنشاء منتدى التعاون العربي – الصيني في عام 2004، شهدت المعاملات التجارية والاقتصادية نمواً ملحوظاً بين الجانبين، ما أعطى دفعة قوية لهذه العلاقات سواء في إطار ثنائي أو جماعي.
 يبدو أن الدول العربية مقتنعة تماماً بأهمية تطوير علاقاتها مع الصين التي تمثل قطباً دولياً وازناً، حقق الكثير من المنجزات العلمية والاقتصادية والصناعية، فالصين أضحت قوة عالمية مع المكتسبات الاقتصادية التي حققتها خلال العقود الأخيرة، وبالنظر أيضاً لسلوكها الخارجي المتوازن، الذي يدعمه توظيف القوة الناعمة بشكل لافت. 
 ومن جانبها ترى الصين في المنطقة العربية بإمكانياتها الطبيعية والبشرية المختلفة وموقعها الاستراتيجي فضاء لإرساء شراكة مربحة على مختلف الواجهات.
التأمت قبل أيام أشغال القمة العربية – الصينية بالرياض، بحضور عدد من القادة ورؤساء وفود البلدان العربية، إلى جانب الرئيس الصيني، كتعبير عن رغبة الجانبين في تطوير هذه العلاقات وإعطائها بعداً استراتيجياً. وهي تأتي في ظرفية دولية حبلى بالتحديات التي تفرض تكثيف التعاون والبحث عن شراكات جديدة أكثر توازناً، وخاصة أن الأمر يتعلق بقطب دولي وازن يبحث له عن موطئ قدم في نظام دولي تعددي.
 مثلت القمة فرصة لتبادل الآراء إزاء عدد من القضايا الدولية والإقليمية، كما شكلت أيضاً مناسبة لاستحضار فرص ومقومات التعاون والشراكة بين الجانبين.
 عبّر ممثلو الدول العربية عن استعدادهم لتطوير وتعزيز العلاقات مع الصين أخذاً بعين الاعتبار لمكانتها الدولية ومنجزاتها في مختلف المجالات والميادين، أما الرئيس الصيني فعبّر من جانبه عن التطور المهم الذي حدث على مستوى العلاقات بين الطرفين، بعدما تمكنت الصين من بناء شراكات استراتيجية شاملة ثنائية مع 12 دولة عربية، كما وقعت على مشاريع تعاون تتعلق بمشروع الحزام والطريق مع 20 دولة عربية..
 وقد خلصت القمة إلى مجموعة من التوصيات المهمة التي وردت ضمن البيان الختامي؛ حيث تم الاتفاق على مواصلة التشاور وتبادل الدعم بين الجانبين، وتعزيز الجهود الرامية إلى مواجهة التحديات التنموية المشتركة. كما تم التأكيد على وحدة الصين ورفض استقلال تايوان، والإعلان عن دعم الموقف الصيني، فيما يتعلق بملف «هونغ كونغ» في سياق دولة واحدة بنظامين. فيما نوه المشاركون بالجهود التي قادتها الصين بخصوص تقديم مجموعة من المساعدات الطبية والتقنية لعدد من البلدان العربية في سياق مساعدتها على مجابهة جائحة كورونا.
 ونبه المشاركون إلى أهمية إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية انسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة. 
 وارتباطاً بالحرب الجارية في أوكرانيا، تم تثمين الجهود المبذولة لإرساء حل سياسي للنزاع، طبقاً لقواعد القانون الدولي ومتطلبات حسن الجوار.. والتأكيد على رفض تسييس قضايا حقوق الإنسان.
وعبّرت الدول المشاركة في القمة عن دعمها للجهود المبذولة على مستوى الحد من انتشار الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، انسجاماً مع مقتضيات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مع التأكيد على «أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل». كما كانت هناك دعوة إلى تعزيز الحوار بين الحضارات، في إطار من الاحترام المتبادل، ودعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لمكافحة التغيرات المناخية، ورفض الإرهاب بكل أشكاله وصوره، والدعوة إلى تعزيز الجهود الرامية إلى مواجهته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymr4v7w5

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"