الإمارات على خريطة الفضاء

00:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

يمر عالمنا اليوم بمرحلة انتقالية في أمور عديدة، كالاتصالات والتكنولوجيا الرقمية وغيرها من الأمور، لكن يأتي في مقدمتها الاهتمام الجليّ بعلم الفضاء، وكأنها تعيد طرح التساؤل: هل الإنسان قادر على إخضاع الفضاء؟ بما وصل إليه من علم، والسيطرة على القوى المادية وإخضاعها لسلطان العقل وتوجيه العلم لمصلحة البشرية؟

لا ريب أن الحضارة التي تغمر بظلالها الكرة الأرضية، وأعني حضارة فلاسفة الإغريق ومنهم الفيلسوف ديموقريطس الذي ادّعى أن في القمر جبالاً شاهقة وودياناً سحيقة. ثم جاءت الثورة العلمية لتنطلق من قواعدها الفكرية والفلسفية التي ورثناها من قرون ماضية، ومنهم غاليليو الذي يؤكد أن الكون مكتوب بلغة الرياضيات، ففيما وراء الظواهر المحسوسة توجد لهذا الكون قوانينه، التي لا يمكن فهمها إلا عن طريق استخدام لغة العلم من أجل تشكيل رؤية موضوعية للفضاء؛ وبسبب نظريات الفيزياء المتعلقة بالزمان والمكان والتي أحدثت ثورات عظيمة في تطور علم الفضاء، خصوصاً الفيزياء الكمية، ومحاولة تفسير مدى علاقة الزمان والمكان بالمادة والطاقة، ومدى تأثير ذلك على حياة الإنسان المعاصرة.

ونتيجة لهذه التساؤلات والتطور المذهل في علاقة الإنسان بالكون من حوله، من حيث التفاعل والاكتشاف والتحدي وغيرها من العلاقات التي حكمت العلاقة بين الإنسان والفضاء، جعل دولة الإمارات أن تشارك العالم في هذا المجال الحيوي استشرافاً للمستقبل، فتقدمت إلى الأمام بخطى متسارعة تعكس تصميم القيادة الرشيدة على تحقيق الاستراتيجيات العلمية الموضوعة للخمسين سنة القادمة.

ويشكل البرنامج الفضائي أحد أهم المفاصل المهمة التي تسعى قيادتنا الرشيدة إلى تسريعه وتعظيم فوائده؛ لما للفضاء من أهمية كبيرة في مستقبل العالم، وبعد النجاح الكبير الذي حققه المسبار الفضائي «الأمل» في بلوغ كوكب المريخ، وإجراء الدراسات المختلفة عليه، فقد تم الإعلان عن إطلاق المستكشف «راشد» إلى القمر لدراسة هذا الجار القريب، الذي كان،ولا يزال، مثار اهتمام البشر منذ آلاف السنين. لكن الاستكشاف الحقيقي لهذا الكوكب بدأ في الخمسينات من القرن الماضي عندما أطلق الاتحاد السوفييتي السابق عام 1959 المسبار «لونا» وحطّ على سطح القمر وأحدث تأثيراً عليه، وكان ذلك فتحاً علمياً كبيراً، إذ بدأت معه الدراسات الواقعية والحقيقية عن هذا الكوكب. وكان برنامج «أبولو» التابع لوكالة «ناسا» الأمريكية، قد نجح في إرسال مركبة مأهولة إلى القمر عام 1969.

القمر لم يعد مجرد كتلة مضيئة يراها الإنسان من على الأرض، بل أصبح مجالاً مفتوحاً أمام الدراسات المختلفة بهدف تحقيق الفوائد الكبيرة للبشرية. وقبل ثلاث سنوات، أرسلت الصين مركبة غير مأهولة إلى الجانب المظلم من القمر وهي المركبة «chang» وكان هذا أول هبوط على الجانب غير المرئي للقمر من على سطح الأرض.

وفي يوم الاثنين الماضي تم إطلاق المستكشف الإماراتي «راشد» من منصة الإطلاق في فلوريدا الأمريكية، وستستغرق الرحلة خمسة أشهر، ومن المقرر أن يهبط على سطح القمر في شهر إبريل/ نيسان العام القادم. وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن طموحات دولة الإمارات في الفضاء مستمرة لبلوغ أهدافها بالوصول إلى مستويات عالية في الإنجاز، المستكشف «راشد» جزء من برنامج فضائي طموح لدولة الإمارات بدأ بالمريخ مروراً بالقمر ووصولاً إلى الزهرة.

تتركز أبحاث المستكشف «راشد» بعد وصوله على سطح القمر، على إجراء الدراسات المتعددة حول مناخ القمر وتربته وصخوره وتضاريسه المختلفة.

الواقع أن دخول دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال استكشاف ذلك الكوكب له مدلولات كبيرة أهمها أن دولة الإمارات ستشارك على قدم سواء مع الدول الكبرى في النتائج التي ستسفر عنها مهمات الاستكشاف، ولا سيما المتعلقة بإيجاد بيئة مناسبة لحياة البشر هناك، وأيضاً السعي لاستغلال العناصر المهمة الموجودة هناك، ولا سيما تلك العناصر الستة المعروفة باسم «مجموعة البلاتين»، وهي الاريديوم والاوزميوم والبلاديوم والبلاتين والروديوم والروثينيوم. وهذه من المعادن الأندر في العالم، ولها خصائص كيميائية وفيزيائية تجعلها مواد حيوية في صناعة التكنولوجيا، ومن دون شك فإن وصول دولة الإمارات إلى القمر سيكون إنجازاً عظيماً يضاف إلى إنجازاتها الكبيرة في مختلف القطاعات وعلى جميع الصعد، وبما يضاعف من أهميتها في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/9t39pta9

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"