كيسنجر وأكتوبر.. نظرة جديدة

01:02 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

مرة بعد أخرى دأب وزير الخارجية الأمريكي الأشهر «هنري كيسنجر» على الإدلاء بشهاداته عن حرب أكتوبر (1973). في كتابه الجديد «القيادة» كشف عن معلومات وأسرار لم يتحدث عنها من قبل تساعد في إحكام النظر لما جرى في تلك الأيام الحاسمة من تاريخنا الحديث.

تطرق موسعاً إلى الرئيس «أنور السادات» ضمن ست شخصيات بلورت رؤيته لمفهوم القيادة، خصائصها وسماتها، هم: «كونراد أديناور» أول مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية، و«شارل ديغول» قائد المقاومة الفرنسية أثناء تلك الحرب، و«ريتشارد نيكسون» ودوره في إنهاء حرب فيتنام والانفتاح على الصين، و«لي كوان يو» زعيم سنغافورة، و«مارغريت تاتشر» التي كانت توصف بالمرأة الحديدية في بريطانيا.

اختار «السادات» شريكه الرئيسي فيما أطلق عليها «عملية السلام» ضمن النماذج الستة لصناع الاستراتيجيات للحديث عن دوره هو في تغيير معادلات المنطقة.

كما اختار «نيكسون» ليتحدث عن دوره هو في إنهاء حرب فيتنام وسياسة الوفاق والانفتاح على الصين.

أراد أن يقول إن «السادات» شريكه في عملية السلام صاحب نظرة استراتيجية أطلق عليها «التجاوز»، أي تعديل الأوضاع الاستراتيجية التي كانت عليها مصر إلى أوضاع جديدة في السياسات والتحالفات الإقليمية والدولية أفضت عملياً إلى طرد الاتحاد السوفييتي، الذي حاربنا بسلاحه في أكتوبر والانتقال إلى المعسكر الآخر الذي حاربت إسرائيل بسلاحه.

هناك اعترافان جوهريان في الكتاب الجديد لرجل يستقبل في مايو المقبل عامه المئة دون أن تؤثر وطأة السنين في همته وذاكرته.

الأول، إن أجهزة المعلومات والاستخبارات الأمريكية فشلت تماماً في توقّع أن تبادر مصر بأية أعمال عسكرية لتحرير الأراضي المحتلة، فموازين القوة لا تسمح والهزيمة مؤكدة.

الفشل الاستخباراتي امتد إلى مجموعات المتابعة في وزارة الخارجية الأمريكية.

الأسوأ أن البيت الأبيض لم يكن على علم، لا من استخباراته ولا من اتصالاته بالإسرائيليين، بمن بدأ الحرب.

ساد اعتقاد راسخ أن إسرائيل سوف تستعيد الموقف سريعاً وتلحق بالمصريين والسوريين هزيمة جديدة حتى تبدد تماماً في اليوم السادس من الحرب. في ذلك اليوم الثلاثاء (11) أكتوبر تأكد في البيت الأبيض أن إسرائيل على شفا هزيمة كاملة على طول قناة السويس.

كان ذلك هو الاعتراف الثاني. في صفحة رقم (358) كتب أن البيت الأبيض أبلغه أن مئات الدبابات وعشرات الطائرات خسرتها إسرائيل في المعارك الأولى التي اندلعت منذ يوم (6) أكتوبر، وأن هناك طلباً ملحاً لإمدادها فوراً بأسلحة تعوّض خسائرها وأن تزور رئيسة الوزراء «غولدا مائير» واشنطن ل«عرض قضيتها» بنفسها.

«نيكسون» استجاب لطلبات السلاح و«كيسنجر» أشرف على الجسر الجوي مستعيناً بالطيران المدني لإزالة أية معوقات تؤجل إرسال المساعدات المطلوبة لإنقاذ إسرائيل.

وكان رفضه صريحاً وحاسماً لفكرة الزيارة قائلاً للسفير الإسرائيلي في واشنطن «سيمحا دينتز»، إذا ما غادرت في حالة الحرب فإنها تعطي رسالة سيئة للغاية.

هُزمت إسرائيل في الخمسة أيام الأولى من الحرب. هذه حقيقة نهائية باعتراف «كيسنجر» نفسه، قبل أن يتكفل بتعديل دفة الحوادث وحرمان مصر من جني ثمار بطولة السلاح.

فيما اعترف به، أنه تلقى من السفير «دينتز» الذي زاره برفقة الملحق العسكري «رسالة دراماتيكية» تقول حرفياً إن وزير الدفاع «موشي ديان» ورئيس هيئة الأركان «ديفيد إليعازر» تمكّنا من إقناع رئيسة الوزراء «مائير» أنه إذا ما أقدمت إسرائيل على هجوم مضاد فإن التكاليف سوف تكون باهظة، فصواريخ «سام» السوفييتية تغطي 20 ميلاً غرب قناة السويس.

جرى الاتصال بوزير الخارجية البريطاني «إليك دوغلاس هيوم» لأخذ زمام المبادرة على ما جرت العادة في إسناد مثل تلك المهام إلى الدبلوماسية البريطانية.

على الجانب الآخر، تلقت حجرة العمليات الملحقة بمكتب وزير الخارجية المصري برقية من الخارجية الأمريكية تطلب البحث في وقف فوري لإطلاق النار.

في ظروف الحرب لم يكن ممكناً إيصال البرقية إلى رئيس الجمهورية بالسرعة الواجبة.

كان الملحق الشاب، السفير فيما بعد «محمد إسماعيل»، نجل القائد العام للقوات المسلحة في حرب أكتوبر المشير «أحمد إسماعيل علي» موجوداً في غرفة العمليات بحكم عمله بمكتب الوزير. سُئل إذا ما كان ممكناً إيصال البرقية إلى والدك؟.. أجاب: مستحيل.

كان وزير الخارجية «محمد حسن الزيات» في نيويورك ولم يمكن الاتصال بالقائم بالأعمال «إسماعيل فهمي».

«الزيات» رفض وهو في نيويورك اقتراحاً أمريكياً بوقف إطلاق النار وعودة القوات إلى ما كانت عليه، دون عودة للقاهرة.

ثم جاء العرض الثالث الذي جرى إقراره فيما يعرف بقرار مجلس الأمن (338) ويقضي بوقف إطلاق النار بصورة كاملة وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فوراً من لحظة اتخاذ هذا القرار وفي المواقع التي تحتلها الآن.

بعد خمسين سنة من الحرب تحتاج مصر إلى توثيق ما جرى فعلاً، أن ترفع الحظر عن الوثائق التي في عهدتها حتى يمكن قراءة التاريخ بعيوننا نحن لا بعيون الآخرين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2r3wmxnj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"