عادي
أزمة الطاقة تنعش شعبية خطاب الانقسام الشعبوي.. ومشروع وحدة القارة يكافح للبقاء

أحزاب اليمين المتطرف تتمدد في أفق الاتحاد الأوروبي

01:09 صباحا
قراءة 5 دقائق
تيارات اليمين المتطرف تكسب زخما متعاظما على مستوى الشارع الاوروبي

شهد العام 2022 صعوداً لافتاً ونجاحات كبيرة لأحزاب أقصى اليمين الأوروبي، وتعززت مكاسب القوى الشعبوية في أكبر وأهم الديمقراطيات، مما أثار قلقاً واسعاً على مستقبل الوحدة الأوروبية من جهة وفرص التعايش والاندماج بين جماعات المهاجرين في المجتمعات الأوروبية. وذلك بسبب خطاب الكراهية والتفوق العنصري المتطرف الذي تطرحه الأحزاب القومية الشعبوية بمواجهة الأجانب المختلفين عرقياً ودينياً. وكذلك طرحها الانعزالي إزاء قضايا الوحدة بين شعوب القارة الأوروبية وأنظمتها الحاكمة والتشريعات القانونية التي تنظم مؤسسات الوحدة وتشكل ضابطاً لاتجاهاتها في القضايا المختلفة.

«نجاحات» في الشرق والغرب

وحققت القوى اليمنية أهم انتصاراتها في فرنسا في انتخابات الرئاسة التي شهدت منافسة محتدمة بين الرئيس ايمانويل ماكرون وزعيمة حزب التجمع الوطني المتطرف مارين لوبان في إبريل 2022. ورغم فوز ماكرون بنسبة 58.5% من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات، فقد حصدت لوبان نسبة 41.5%، وقامت بالربط بين الهجرة والإرهاب في محاولة لحشد تأييد الناخبين.

وفي يونيو 2022، فاز حزب التجمع الوطني اليميني ب89 مقعداً في الانتخابات البرلمانية، ليشكل ثالث أكبر كتلة في البرلمان، حيث حلّ ائتلاف «معاً» الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون أولاً ب245 مقعداً، يليه ائتلاف «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والإيكولوجي الجديد» الذي يقوده اليساري الراديكالي جان لوك ميلونشون ب131 مقعداً. الأمر الذي يعني تضاعف الكتلة النيابية للتجمع الوطني المتطرف أكثر من 11 مرة، حيث لم يتعدَّ حجمها خلال الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد عام 2017 ثمانية نواب فقط.

وفي إبريل من العام نفسه، فاز فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر اليميني، في رابع فوز على التوالي لحزب «الاتحاد المدني المجري» منذ عام 2010. ويتهم أوربان الحركات اليسارية بالتآمر على الغرب وعلى المجر، ويتبنى نظرية «الاستبدال العظيم» من أجل تقديم حججه، والتي تهدف، وفقاً لمؤيديها، إلى إضعاف «السكان البيض في الولايات المتحدة والدول الأوربية عن طريق الهجرة»، وقد استقالت زسوزسا هيجدوس، المساعدة المقربة منه، اعتراضاً على تصريحاته التي وُصفت بأنها عنصرية حول فكرة «خلط الأعراق»، وانتقاده للاختلاط بين الأوربيين وغير الأوربيين، واصفة خطابه بأنه «نازي صرف».

كما حصد حزب رئيس الوزراء البلغاري اليميني السابق بويكو بوريسوف 25.5% من إجمالي عدد الأصوات في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في الثاني من أكتوبر 2022، متقدماً على حزب «فلنواصل التغيير، الذي يقوده منافسه الوسطي كيريل بيتكوف الذي حصل على نحو 19.9%، وذلك في رابع انتخابات تشهدها البلاد خلال عام ونصف العام فقط، وسيطر فيها اليمين المتطرف على انتخابات إبريل 2022.

وحقق حزب ديمقراطيي السويد اليميني المتطرف مكاسب هائلة في الانتخابات التي شهدتها البلاد في 11 سبتمبر 2022، حيث أصبح ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد وأكبر الأحزاب اليمينية في البلاد، وقد نشأ الحزب من رحم الحركة النازية الجديدة في ثمانينيات القرن العشرين، ودخل البرلمان بعد فوزه بنسبة 5.7% من الأصوات عام 2010، ثم ارتفعت النسبة إلى 17.5% عام 2018، وتخطت نسبته 20% في انتخابات 2022.

إيطاليا.. الضربة الأقوى

وجاءت الضربة الأقوى لقوى اليسار والاعتدال الأوروبي مع نجاح قوى اليمين المتطرف في تحقيق انتصار كبير في إيطاليا، ممثلاً في حزب «أخوّة إيطاليا» (فراتيلي ديتاليا) في انتخابات سبتمبر 2022، حيث أسفرت نتائج الانتخابات عن حصول الائتلاف اليميني الذي تقوده جورجيا ميلوني على نسبة 43.8% من مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب. وتنبع أهمية نتائج الانتخابات الإيطالية من موقع إيطاليا ومكانتها اقتصادياً وعسكرياً، حيث تعد البلد الثالث في اقتصاد دول الاتحاد الأوربي، وتمتلك ثاني أقوى جيش أوربي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد. وفي أعنف تصريحاتها أعربت ميلوني عن رغبتها في إغلاق الموانئ الإيطالية أمام المهاجرين القادمين من ليبيا، وذكرت «اليسار العلماني والمهاجرين» يهددان جذورنا.

رياح مواتية للشعبويين

وتجيء انتصارات القوى الشعبوية بينما تمر أوروبا بمرحلة حرجة، ولا سيما مع عودة الحرب إلى القارة عبر أوكرانيا. والعقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى تفاقم الضغوط الناتجة عن التضخم الاقتصادي وبروز أزمة الطاقة ونقص الغذاء. فقد تنامت مساعي اليمين المتطرف خصوصاً في شرق ألمانيا إلى التقارب وتوحيد القوى وباتت تشكل خطراً داهماً على الحكومة الألمانية، وشهدت الولايات الألمانية تزايداً ملحوظاً في تنظيم المسيرات والاحتجاجات للجماعات والأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة لسياسات الحكومة الألمانية لمعالجة أزمة الطاقة والتضخُّم والركود الاقتصادي، وتصاعدت التحذيرات الاستخباراتية من تخطيط شبكات اليمين المتطرف لشنّ أعمال إرهابية وهجمات لتقويض «النظام الديموقراطي الألماني».

نجح اليمين المتطرف إلى استغلال تدهور شعبية الحكومة الألمانية في ظل مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة ومخاطر شحّ مواردها وتوقف إمدادات الغاز والنفط الروسيين، واستطاعت الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة إلى التقارب وتوحيد القوى. وشهدت ألمانيا تزايداً ملحوظاً في احتجاجات ومظاهرات من حزب «البديل من أجل ألمانيا» على أزمة الطاقة والتضخُّم تحت شعار «عندما لا يجد الألمان ما يكفي، فلماذا نعطي الغرباء؟»، وهناك علامات تحذيرية أخطر، فلم يكن من بين المتظاهرين والمحتجين أفراد فقط من «حزب البديل اليميني الشعبوي»، بل هناك أيضاً العديد من الجماعات المتطرفة التي تتراوح بين اليساريين الراديكاليين إلى النازيين الجدد ومنظمات يمينية ك«منظمة كومبات18»، وأعقب تلك الاحتجاجات أعمال عنف ضد بعض اللاجئين الأوكرانيين.

سمات مشتركة

وتشترك جماعات اليمين المتطرف في بعض السمات الرئيسية، كالنزعة القومية، أو ما يمكن وصفه بالشعور بأن بلداً ما وشعب هذا البلد أرقى من غيره. ولدى تلك الجماعات شعور قوي بالهوية الوطنية والثقافية إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديداً على تلك الهوية، ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع. وعادة ما يستميل زعماء تلك الجماعات الأفراد من خلال إعطائهم شعوراً بالانتماء والفخر. وكثيراً ما يكون ذلك أداة دعائية قوية، ولا سيما في المناطق الفقيرة التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، والتي يشعر سكانها بالتهميش من قبل المؤسسة السياسية. وفي أغلب الأحيان تكون لدى تلك الجماعات تحيزات دينية، إذ يعتبر أعضاؤها أنفسهم مدافعين عن الدين المسيحي، ويستخدمون ذريعة الحفاظ على القيم المسيحية لإثارة صراعات مع أديان أخرى كالإسلام واليهودية.

مستقبل يسوده الغموض

لا يشكل صعود تيارات اليمين المتطرف تهديداً فقط للنظم السياسية القائمة في الدول التي نجح فيها، من باب المصالح الوطنية لهذه الدول، ولكنه يشكل تهديداً أكبر للنسيج الاجتماعي لشعوبها، وخلق حالات من الاضطرابات والأزمات المجتمعية من ناحية ثانية، كما أن خطر التهديد على المدى البعيد يمكن أن ينال من استقرار هياكل ومؤسسات الاتحاد الأوربي، بل ويهدد بقاء الاتحاد من أساسه، خاصة أن تنامي التيارات اليمينية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين قاد لحرب عالمية ثانية كانت القارة الأوربية أكبر مسارح عملياتها.

وعن مصير أوروبا خلال الأعوام المقبلة، يتوقع رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، اجتياح اليمين المتطرف لأوروبا على مستويات التيارات الشعبية والأحزاب السياسية والبرلمانات، حتى إن صعود اليمين الراديكالي وصل إلى الاتحاد والبرلمان الأوروبي. وتهدد زيادة مقاعد هذا التيار في البرلمان الأوروبي وبرلمانات الدول الأوروبية، تماسك الاتحاد الأوروبي وتزيد من النزعة المتطرفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8emrba64

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"