مرحلة انتقالية عالمية

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

تكشف قراءة التطورات العالمية المتسارعة أن العالم يتجه في العام 2023 نحو التأسيس لهندسة جديدة لنظام عالمي غير محدد المعالم بعد، في ظل السباق المحموم بين القوى العالمية الكبرى على التصعيد المتبادل في مناطق الصراعات، والتسابق بينها على السيطرة على مناطق النفوذ، وفي ظل غياب الحسم في مجمل القضايا الصراعية الكبرى وعلى الأخص الصراع المتفجر في أوكرانيا الذي أخذ يندفع، مع تطور الأحداث، ليتحول إلى صراع روسى- أطلسي مكشوف نتيجة الدعم الأمريكي – الأوروبي المكثف لأوكرانيا مادياً وعسكرياً، وفي ظل تفاقم الصراع بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين وحول تايوان ودخول الكوريتين الشمالية والجنوبية أيضاً حلبة الصراع والتصعيد العسكري المتبادل عبر طائرات مسيّرة، واندفاع اليابان إلى الدخول في مرحلة جديدة من التسلح العسكري غير المسبوق في ظل ما تعتبره مخاطر وتهديدات كورية شمالية.

ربما يكون عام 2023 هو عام الحسم في الحرب الأوكرانية، في ظل تردد الحديث من جانب روسيا والرئيس الأوكراني وتلميحات أخرى أمريكية عن «التفاوض»، لكن ليس محسوماً كيف ستنتهي هذه الحرب. هل ستنتهي بانتصار موسكو ومن ثم إعطاء روسيا قوة دافعة لمواصلة التنافس على الزعامة الدولية، وتعميق شراكتها مع الصين للتأسيس لنظام عالمي متعدد الأقطاب على حساب النظام أحادي القطبية الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، أم هل ستنتهي بهزيمة روسية ومن ثم سقوط رهانات روسيا على أن تكون شريكاً في زعامة العالم. إذا حدث ذلك فإن نتائج هائلة سوف تترتب على مثل هذا الاحتمال منها ما يتعلق بوحدة الأراضي الروسية نفسها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث منذ أيام عن استعداده للتفاوض على حلول مقبولة، لكنه اتهم الغرب بالسعي إلى «تقسيم روسيا».

ضبابية مستقبل تسوية الأزمة الأوكرانية تزيد من ضبابية تحديد معالم الهندسة الجديدة للنظام العربي التي سوف تترتب على ما سوف تؤول إليه هذه الأزمة، التي تصل إلى ذروتها في ظل تلميحات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف عن الخيار النووي كخيار محتمل دفاعاً عن الأراضي الروسية وطموحات الغرب ب «توسيع حلف الناتو إلى الشرق»، وعن اتجاه العالم في ظل تأزم وتعقيدات الأزمة الأوكرانية نحو «حرب عالمية ثالثة»، نظراً لما كشفته زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن من دعم أمريكي مطلق للموقف الأوكراني واقتراب هذا الدعم من 100 مليار دولار ودخول أسلحة أمريكية متطورة إلى أوكرانيا التي شنّت ثاني هجوم لها بالمسيّرات في العمق الروسي شرقي العاصمة موسكو.

في ظل هذه الضبابية دخل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر حلبة التخمينات بتقديمه مبادرة لحل هذه الأزمة وصفت بأنها «مبادرة مطورة» لتجنب خطر التورط في حرب عالمية ثالثة، ما يعني أن الحرب العالمية الثالثة يمكن أن تكون أحد السيناريوهات المحتملة في عام 2023 إذا ما فشلت وتعثرت جهود تسوية الأزمة الأوكرانية. تضمنت هذه المبادرة المطورة الدعوة إلى تسريع التوصل إلى وقف إطلاق النار من خلال المفاوضات، واعتماد «الحل الدبلوماسي» كبديل لخيار «الحرب المفتوحة»، والبناء على المتغيرات الاستراتيجية وإقامة هيكل جديد لأوروبا الشرقية والوسطى يعترف بروسيا قوة نووية كبرى ودمجها في هذا الهيكل الجديد المقترح، وإجراء استفتاء في الأقاليم التي ضمتها روسيا تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل حق تقرير المصير، وتجنب التورط في معاهدة على غرار «معاهدة فرساي» كنهاية للحرب الأوكرانية، وأخيراً تأكيد حرية أوكرانيا في عقد أي اتفاق أو معاهدة قادمة بعد التوصل إلى السلام.

لم تحظ هذه المبادرة بالاهتمام الكافي حتى الآن ما يعني أن الأزمة لم تصل بعد إلى مرحلة التسوية سواء من جانب أوكرانيا والغرب أو من جانب روسيا على النحو الذي كشفه سيرغى لافروف وزير الخارجية الروسي الذي حدد مطالب روسيا في التسوية بنزع سلاح أوكرانيا والقضاء على النزعة النازية داخل أوكرانيا.

خطر المواجهة في جنوب شرق آسيا ينافس مخاطر الحرب الأوكرانية في ظل التصعيد غير المسبوق بين الكوريتين من ناحية وفي ظل المناورات الصينية الكبرى في بحر الصين للرد على الدعم الأمريكي لتايوان، والدفع الصيني بأسراب من الطائرات اجتازت المجال الجوي لتايوان في تحدٍّ غير مسبوق للخطوط الحمراء بين الطرفين.

هذه الأجواء الصراعية غير المستقرة تتزامن مع حالة اضطراب أوروبي غير مسبوقة بسبب التضخم وبسبب أزمة الوقود كإحدى نتائج الحرب الأوكرانية.

صراعات وتعقيدات تكشف أن عام 2023 سيكون استمراراً لصراعات عام 2022 من ناحية، لكنه ربما يشهد من ناحية أخرى عملية البدء في هندسة معالم النظام العالمي الجديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kwahrc6e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"