تحقيق التوازن بين التحول الرقمي والاستدامة

20:54 مساء
قراءة 4 دقائق

أشرف يحيى*

مع طرح العديد من الدول المزيد من الرؤى المستقبلية المتعلقة بالاستدامة، وفي ضوء استضافة الإمارات لمؤتمر أطراف المناخ بنسخته ال 28، والذي ينعقد في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أصبح التركيز بشكل متزايد على مبادرات الاستدامة أمراً ذا أهمية. فالسنوات القليلة الماضية كانت من أكثر السنوات المقلقة على صعيد صناعة مراكز البيانات. فلا تستطيع المنظمات أن تتنبأ بمدى شدة تأثير الاضطراب المستمر على المشهد الجيوسياسي، ناهيك عن أننا نواجه أزمة طاقة حادة. لذلك، هناك دافع أكبر لتحقيق التوازن بين النمو في الرقمنة مع التبني المستمر لأحدث ممارسات الاستدامة.

تشير التقديرات بأن سوق مراكز البيانات في دول مجلس التعاون الخليجي بلغ أكثر من 1.3 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل لحدود 5.23 مليار دولار في عام 2028 -مع وجود مراكز بيانات رئيسية في كل من السعودية والإمارات- حيث تركز هذه المراكز بشكل أكبر على أهمية معالجة قضايا الطاقة، فضلاً عن تسليط الضوء على التحديات الجديدة. فالرقمنة المستمرة تمثل فرصاً جديدة وواعدة لهذا القطاع.

ولطالما كان الجدال الدائر حول استراتيجية توليد الطاقة المتجددة يتمحور حول الاستدامة وآثارها على البيئة، نحن نحتاج اليوم إلى مصادر طاقة متجددة في المنطقة، جنباً إلى جنب مع مصادر الطاقة التقليدية، مع مراعاة المخاوف المتزايدة فيما يتعلق بأمن الطاقة والأسعار. نحن نرى بأن المبادرات القائمة على الاستدامة تساعد مشغلي الشبكات في توفير المزيد من وحدات الطاقة غير المنقطعة في حال كانت مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الريحية والشمسية إلى جانب المد والجزر غير كافية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في مراكز البيانات.

تهدف الحاجة إلى تسريع المزيد من عمليات توليد الطاقة المتجددة بشكل فعال، والذي يشكل جرس إنذار للحكومات في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بأنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية فقط لتلبية احتياجات هذا القطاع.

وأثرت جائحة «كوفيد-19» بشكل هائل على سلاسل التوريد العالمية عبر مختلف القطاعات والصناعات. ومع بدء انحسار الجائحة حول العالم ورفع القيود وتقليل الإجراءات الاحترازية المرافقة لها، أعطى العالم ككل والشركات بشكل خاص إحساساً زائفاً بالأمان، وأنهم تجاوزا أصعب المراحل التي شهدتها البشرية جمعاء.

ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يتعرض المجتمع الدولي لضربة ثانية موجعة عبر أزمة جيوسياسية أثبتت أنها أشد تأثيراً من الجائحة على بعض سلاسل التوريد العالمية، لا سيما أشباه الموصلات والمعادن الأساسية الحيوية والأساسية لبناء مراكز البيانات. وكون مراكز البيانات قطاعاً ذا نمو متصاعد، فإن صناعة مراكز البيانات حساسة للغاية، وفي الأخص عندما يتعلق الأمر باضطرابات سلاسل التوريد، في الوقت الذي تتطلع فيه هذه المراكز لإجراء توسعة بهدف استيعاب المزيد من البيانات.

لا يزال قطاع مراكز البيانات حول العالم يكافح للتغلب على المشاكل المصاحبة لسلاسل التوريد، أضفْ إلى ذلك أن طبيعة المشهد الجيوسياسي الحالي لن تتغير إلى حد كبير في المستقبل القريب.

وصلت متطلبات النمو الرقمي إلى مستوى غير مسبوق. فقد تم استكشاف كل السبل الممكنة لتلبية هذه الحاجة بطرق أبسط وأكثر فاعلية من حيث التكلفة وفي أقصر وقت ممكن.

ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا متناقضاً مع طبيعة العديد من البيئات شديدة التعقيد والحرجة للمهام. فمركز البيانات هو موطن الثروة من التقنيات المختلفة بدءاً من أنظمة التهوية والتكييف والهندسة الميكانيكية والهيكلية وتكنولوجيا المعلومات، وصولاً لأجهزة الكمبيوتر. هنا يكمن التحدي في محاولة تسريع مثل هذه الأنواع المعقدة للغاية والمترابطة من البيئات المختلفة بهدف الحفاظ على التوجهات الحالية لرقمنة العمليات. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يعتمد كل من مصممي ومشغلي وموردي مراكز البيانات على تصاميم أنظمة من شأنها تقليل هذا التعقيد، مع احترام طبيعة المهام الحرجة لبيئة العمل. حيث يعدّ تصنيع أو تعديل مراكز البيانات من خلال تسليم الوحدات الجاهزة والمتكاملة والمُصممة مسبقاً إلى الموقع، إحدى الطرق لجعل تصميم وبناء مركز البيانات أقل تعقيداً مع ضمان وقت أسرع في التكاملية والوصول للسوق.

حتى الآن، كانت لندن ودبلن وفرانكفورت وأمستردام وباريس هي مقارّ مراكز البيانات التقليدية، إما لأن مقر الشركات يقع في هذه المدن، أو لأنها مجموعات اقتصادية طبيعية تتمتع بثروة من قطاعات الاتصالات والملفات الشخصية المثالية للعملاء.

وبهدف توفير جودة الخدمة وكونها على مقربة من مراكز تواجد السكان والنشاط الاقتصادي، أصبح من الأفضل إنشاء مراكز بيانات في مدن أخرى للدول الاقتصادية الرئيسية وفي عواصم الدول الاقتصادية الأصغر. فالمنافسة بين مزودي مراكز البيانات قوية؛ لذا فإن العديد من مدن ودول أخرى توفر النمو للمشغلين الحاليين، أو تنشئ موطئ قدم لمشغلين جدد. ولهذا السبب، سنرى نشاطاً متزايداً مصاحباً لمراكز البيانات في مدن مثل دبي ووارسو وفيينا وإسطنبول ونيروبي ولاغوس. لكن هذا التوسع لا يخلو من التحديات المتعلقة بتوافر عدة عوامل منها الموقع المناسب وإمدادات الطاقة وجودة الشبكة، إلى جانب العمالة الهندسية والتي تخلق تعقيداً متزايداً على مجمل العمليات في المؤسسة.

ومع استمرارية التوسع في أسواق جديدة، يحاول العديد من مشغلي مراكز البيانات تحقيق ميزة «المنتقل الأول» نحو البلدان الجديدة، والتي نشاهد فيها حكومات هذه البلدان تستقبل المشغلين الجدد بأذرع مفتوحة، وتقدم لهم العديد من التسهيلات، وتعمل على تذليل العقبات بهدف ضمان إنشاء مراكز البيانات لديهم.

في نهاية الأمر يمكنني القول بأن الشيء الوحيد الذي أثبتناه في عام 2022 بأننا لا نستطيع التأكد مما قد يحدث في قادم الأيام. فالأزمة الجيوسياسية الحالية تلقي بظلالها على قطاع مراكز البيانات، والذي يواجه سلسلة من التحديات غير المسبوقة. على الرغم من ذلك فإننا نرى فرصاً واعدة في النمو، حيث تشير التوقعات إلى أن المزيد من المشغلين سيكون بمقدورهم الصمود في وجه العاصفة؛ لمواجهة كل ما يخبئه المستقبل لهذه الصناعة.

*المدير العام لدى «إيتون الشرق الأوسط»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/328rhm75

عن الكاتب

المدير العام لدى «إيتون الشرق الأوسط»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"