ثلاث سنوات على الأزمة اللبنانية

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

تعتبر الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، وهي الأصعب في تاريخ البلاد، وفقاً لما جاء في تقرير البنك الدولي في إبريل/نيسان 2022. ومنذ ثلاث سنوات واللبنانيون يعانون التضخم المُفرط في أسعار السلع الاستهلاكية، بحيث وصل في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى ما يزيد على 325 في المئة. وتراجعت قيمة الليرة اللبنانية بما يزيد على 30 ضعفاً مقابل الدولار الأمريكي، بينما مدخرات اللبنانيين محجوزة في المصارف، وتدنّت قيمة الأجور بشكل مخيف، ولم يعُد بإمكان الموظفين المُوكل إليهم إدارة مؤسسات الدولة الوصول إلى أماكن عملهم، أو تأمين معيشة عائلاتهم، فتعطلت المحاكم وغالبية الدوائر الحكومية، بينما القطاعات العسكرية استطاعت الاستمرار في القيام بالحد الأدنى من مهامها الشاقة، استناداً إلى مساعدات خارجية، معطوفة على تضحية من أفراد وضباط هذه القطاعات.

على الرغم من كل هذه الويلات غير المسبوقة؛ لم يتقدم المسؤولون عن إدارة شؤون البلاد أي خطوة جدية باتجاه الإنقاذ، حتى أن القوانين المتواضعة التي أقرها مجلس النواب لمعالجة المعضلات المُلحة، لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ الفعلي، ومنها قانون منح البطاقة التمويلية للعائلات الفقيرة، وهؤلاء تخطت نسبتهم 80% من اللبنانيين، كذلك الأمر فيما يتعلق بقانون «الدولار الطالبي» الذي أقر لمساعدة الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الخارج. أما قانون رفع السرية المصرفية عن العاملين في القطاع العام؛ فلم يلقَ من يعمل على تنفيذه بسبب الشلل الذي يصيب المحاكم من جراء اعتكاف القضاة، كما أن قانون إصلاح قطاع الكهرباء لم ينفذ، خصوصاً منه البند الذي يتعلق بإنشاء هيئة ناظمة للقطاع، وهو مطلب أساسي من مطالب البنك الدولي لتمويل شراء الغاز لمعامل الكهرباء المتوقفة من مصر ولدفع فاتورة استجرار 250 ميغاوات من الأردن.

أما قانون «الكابيتال كونترول» الذي يفرض قيوداً على التحويلات المصرفية، وقانون إعادة هيكلة المصارف؛ فلم يجرِ إقرارهما، على الرغم من أنهما خطوات ضرورية للبدء في خطة التعافي المالي، وفقاً لما يرى صندوق النقد الدولي، وإدارة الصندوق يئِسَت من التعاطي مع الملف اللبناني، بعد أن وقّعت اتفاقاً مبدئياً مع الحكومة اللبنانية في إبريل/نيسان 2022، ولم تُقدِم هذه الحكومة على أي أجراء جدي لاستكمال الخطوات التي تؤدي إلى إبرام الاتفاق بصيغته النهائية، وعندها سيحصل لبنان على 3 مليارات دولار أمريكي، والأهم من ذلك؛ أن لبنان يستعيد مكانته في الأسواق المالية الدولية وعند المستثمرين بعد توقيع الاتفاق، كأنما البعض لا يريد للبنان أن يتعافى، ولا أن يعود إلى مكانته السابقة.

كان عام 2022 عاماً تعطيلياً بامتياز في لبنان. فالقوى السياسية أجهضت كل الخطوات الإصلاحية، ومنها عدم تأليف حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، كما فشل مجلس النواب في اختيار رئيس جديد.

الاختناق السياسي في لبنان مستمر، والبلاد من دون رئيس للجمهورية، والحكومة المستقيلة لا يسمح لها بالانعقاد، على الرغم من أنها تتوىّ مهام رئيس الجمهورية وفقاً لما يفرضه الدستور، وهي لا تستطيع القيام بأي خطوة جدية تعالج الوضع القاسي الذي يعانيه اللبنانيون، لأن فريقاً أساسياً يعتبر أن اجتماعها بغياب الرئيس انتهاكاً للميثاقية، كون رئيس الجمهورية يمثل المسيحيين، وبالتالي لا يجوز في غيابه أن تسير البلاد بوضعية طبيعية، كي لا يعتبر ذلك سابقة.

الذين تسببوا بوصول لبنان إلى هذا الدرك، هم ذاتهم الذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية، وهم يمثلون كل القوى القوى السياسية والطائفية والمذهبية التي تتحكم برقاب اللبنانيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/sth8hcz8

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"