عادي

«لا» أمريكية لمصالحة سورية تركية

23:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد عباس ناجي *

تتابع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بدقة، تطورات المصالحة التي يجري العمل على صياغتها بين تركيا وسوريا، برعاية روسيا. ويبدو أنها لن تكتفي بالتصريحات التي أدلى بها مسؤولوها وأشاروا من خلالها إلى ضرورة عدم تحسين العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما ستحاول ممارسة ضغوط على تركيا من أجل وضع حدود لهذه المصالحة.

عدم ارتياح واشنطن لهذه التطورات يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات رئيسية ثلاثة:

* أولها، أن أي تفاهمات بين تركيا وسوريا سوف تكون على حساب الأكراد- الحليف الأهم لواشنطن في سوريا- حيث تتضمن المقاربة الروسية إخلاء الميليشيات الكردية من مناطق منبج وعين العرب (كوباني)، حيث يقوم الجيش السوري بالانتشار فيها، على نحو يضمن لتركيا، بشكل غير مباشر، المنطقة الأمنية التي تسعى إلى إقامتها داخل سوريا، وهددت بشن عملية عسكرية من أجلها في الفترة الماضية، وفي الوقت نفسه يكرس الوجود والسيادة السورية على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.

* ثانيها، أن هذه التفاهمات تعزز من دور روسيا داخل سوريا، باعتبارها الطرف الأساسي الذي يمتلك مفاتيح الحل والتسوية، وهو ما لا يتوافق مع حسابات الولايات المتحدة، والدول الغربية بشكل عام، والتي تقوم على أساس محاولة فرض عزلة دولية على روسيا، وتقليص الدور الروسي على المستوى الدولي، كجزء من إدارة الصراع مع الأخيرة حول الحرب في أوكرانيا.

* ثالثها، أن بلورة ترتيبات أمنية جديدة داخل سوريا في حالة وصول التفاهمات بين تركيا وسوريا إلى مرحلة المصالحة، سوف يستدعي مباشرة الحديث عن ضرورة خروج القوات الأجنبية من سوريا، ولا سيما القوات الأمريكية.

أوراق ضغط

كان لافتاً أن واشنطن تعمدت أن تتوازى زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، مع تقديم طلب إلى الكونغرس للموافقة على شروط بيع تركيا مقاتلات «إف 16»، مع التلميح إلى إمكانية بيع اليونان مقاتلات «إف 35» التي سبق أن رفض طلب تركيا الحصول عليها، بعد توقيعها صفقة مع روسيا تسلمت بمقتضاها منظومة صواريخ «إس 400».

هنا، فإن الرسالة تبدو واضحة لأنقرة، ومفادها أن إمعانها في مواصلة مسار المصالحة مع سوريا، يمكن أن يدفع واشنطن إلى تبنّي إجراءات عقابية ضدها، ربما لن تنحصر في تسليم خصمها اللدود-اليونان- صفقة المقاتلات التي سبق أن مُنعت من امتلاكها.

ورغم أن هناك ملفات خلافية أخرى بين واشنطن وأنقرة، على غرار اعتراض الأخيرة، حتى الآن، على ضم السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، إلا أن ملف المصالحة مع سوريا ربما يحظى بالأولوية حالياً لدى واشنطن.

ويعني ذلك في المقام الأول، أن واشنطن ربما تعيد التلويح بسلاح العقوبات في مواجهة أنقرة، وهو السلاح الذي سبق أن استخدمته، خاصة خلال عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لإدارة الخلافات مع الأخيرة، على غرار ملف صفقة صواريخ «إس 400».

ارتدادات محتملة

مع ذلك، فإن المهمة قد لا تبدو سهلة أمام إدارة الرئيس بايدن لممارسة ضغوط على تركيا من أجل التراجع عن مسار المصالحة مع النظام السوري. وهنا، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى اختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي سبق أن استخدم فيها سلاح العقوبات ضد أنقرة، وأنتج مفاعيل مباشرة، بدت جلية في استجابة الأخيرة لبعض المطالب الأمريكية.

إذ إن اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022، واستمرارها حتى الآن، لا يتيح لواشنطن خيارات كثيرة في هذا الصدد. بمعنى آخر، فإن هذه الحرب أدت، ضمن تداعياتها الكثيرة والممتدة، إلى تغيير التوازنات الإقليمية والدولية، وبالتالي، فإن ما كان مسموحاً به قبل عامين أو ثلاثة، قد لا يكون متاحاً بالدرجة نفسها في الفترة الحالية.

فقد تزايدت أهمية تركيا بالنسبة للدول الغربية، خاصة في ما يتعلق بممارسة دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا خلال المرحلة الماضية، على نحو أنتج معطيات إيجابية على الأرض، مثل اتفاق الحبوب الذي تم توقيعه بين الطرفين برعاية أنقرة، في 22 يوليو/ تموز 2022، والذي قضى بفك الحصار الذي كان مفروضاً على صادرات الحبوب والأسمدة الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، وبالتالي تقليص حدة أزمة الغذاء العالمية التي تصاعدت وتيرتها بسبب اندلاع الحرب.

كما أن هذه السياسة سوف تدفع أنقرة إلى وضع عقبات جديدة أمام انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو.

ومثلما تحاول واشنطن استخدام ملف مقاتلات «إف 16» لممارسة ضغوط على أنقرة في هذا الملف، فإن أنقرة تستخدم الملف نفسه لممارسة ضغوط مقابلة على واشنطن في ما يتعلق بتصعيدها المستمر مع اليونان، ومصالحتها المحتملة مع النظام السوري.

وقد كان لافتاً أن إبراهيم قالن، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في 14 يناير/ كانون الثاني الجاري، إن تركيا «ليست في موقع يسمح لها بالمصادقة راهناً على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي»، مضيفاً أن «الوقت ينفد في ما يتعلق بتصديق تركيا على طلبي السويد وفنلندا للانضمام للحلف قبل إجراء الانتخابات المتوقعة في مايو/ ايار المقبل».

فضلاً عن ذلك، فإن أي محاولة لفرض ضغوط وعقوبات قوية على تركيا سوف تدفع الأخيرة إلى توسيع نطاق تعاونها مع روسيا، سواء في الملف السوري، أو الأوكراني، أو الليبي.

وهنا، فإن حدوث ذلك في الملف الليبي تحديداً قد لا يتوافق مع حسابات إدارة بايدن في المرحلة الحالية، التي تُعوِّل على الدور التركي تحديداً، وليس الأوروبي، في ليبيا.

من هنا، يمكن القول في الأخير، إن واشنطن سوف تسعى إلى وضع حدود للانفتاح التركي على سوريا، من دون منعه، وربما تحاول استثمار «الشروط» التي تتمسك بها دمشق قبل إتمام المصالحة، من أجل تعزيز قدرتها على «فرملة» المقاربة الروسية الجديدة للمصالحة بين أنقرة ودمشق.

* خبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32tbn4sm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"