الحاجة إلى «عدم الانحياز»

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لم يكن تأسيس «حركة عدم الانحياز» في عام 1961 في بلغراد، بعد مؤتمر باندونغ عام 1955حالة استثنائية أو عابرة في ذلك الوقت، إنما جاءت في ذروة الحرب الباردة يومها بين الاتحاد السوفييتي ومعسكره الشيوعي، والولايات المتحدة ومعسكرها الرأسمالي، وفي ذروة الصراع ضد الاستعمار ونضال الشعوب الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية وغيرها من أجل الاستقلال. وكانت جهود الحركة منذ الأيام الأولى لقيامها عاملاً أساسياً في تصفية الاستعمار والتمييز العنصري، كما لعبت دوراً أساسياً في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

لم تأخذ الحركة التي ضمت يومها في بداية انطلاقها 25 دولة، ثم ارتفع العدد إلى 120 دولة، موقفاً منحازاً إلى جانب أي من المعسكرين، إنما اختطت طريق الحياد الإيجابي، ووضعت أهدافاً محددة تتعلق بحق تقرير المصير، والاستقلال الوطني والكفاح ضد الاستعمار والاحتلال والعنصرية، ونزع السلاح ودعم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي الدولي.. وكلها أهداف طموحة تصبّ في مصلحة البشرية، وتحقق للعالم ما كان يصبو إليه من أمن وسلام، بعيداً عن الغرق في الصراع بين القوى الكبرى.

لقد حققت الحركة الكثير من النجاحات، ولعبت دوراً أساسياً في تأكيد الهوية المستقلة للدول الأعضاء، والقيام بدور إيجابي في صنع القرار للدول التي تحررت من الاستعمار.

لكن الحركة بدأت تفقد زخمها وتأثيرها ودورها بعد رحيل قادتها المؤسسين (جواهر لال نهرو، وجمال عبد الناصر، وجوزيف بروس تيتو، وأحمد سوكارنو، وكوامي نكروما)، وانهيار الاتحاد السوفييتي وسيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي منفردة، واختلال موازين القوى في العالم، وتشظي بعض الدول المؤسسة للحركة، وانشغال بعض الدول الأخرى بمشاكل مصيرية وحروب وانقسامات داخلية.

الآن، وفي خضم الصراعات الدولية التي بدأت تأخذ مدى خطيراً، وتزايد الاصطفافات الدولية في مجرى هذا الصراع الذي يأخذ شكل حروب عسكرية واقتصادية وتقنية واستخبارية، وانتقال العالم إلى مرحلة عدم اليقين تجاه مستقبله، مع تصاعد الأزمات الاقتصادية وتفشي الأوبئة، والنتائج الكارثية الناجمة عن التغير المناخي، بات العالم بحاجة فعلية إلى «حركة عدم الانحياز» بعد تجديدها ونفض الغبار عنها، كي تقوم بدورها في إنقاذ العالم من مصير مجهول، والانتقال به إلى نظام عالمي جديد من دون حروب ودمار وآلام.

بدأت عدة دول أعضاء في الحركة تستشعر الخطر الذي يتهدد البشرية، وتتخذ مواقف واضحة في رفض الحروب والهيمنة، وتأكيد حق تقرير المصير، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، من دون أن تنحاز لأي من الأطراف المتصارعة، وفي مقدمة هذه الدول تقف دولة الإمارات التي تدعو إلى ضرورة وقف الحرب في أوكرانيا، والدعوة إلى المفاوضات كسبيل وحيد للوصول إلى تسوية سلمية، تؤدي في نهاية المطاف إلى تجنيب العالم العواقب الوخيمة لهذا الصراع.

ما أحوج العالم هذه الأيام إلى إعادة الروح ل«حركة عدم الانحياز»، كي تواصل دورها في تحقيق الأمن والسلام العالميين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9x27p2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"