الحصاد المرّ

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

الكوارث الطبيعية لا تفرق بين عالم أول وعالم ثالث، ولا بين دول متقدمة أو نامية أو حتى متخلّفة، ولا تفرّق في ضحاياها بين إنسان أبيض وآخر أسود وثالث أصفر؛ بل إنها لا تفرق بين بشر وحجر، ولا بين المباني العامرة والمباني الخالية، كلها سواء أمام الزلازل والتسونامي والبراكين والحرائق والفيضانات والأعاصير. إنها تجرف في طريقها أياً كان، وقد تفرق فقط بين فقير يستسلم لقدره نتيجة عجزه عن توفير نفقات الفرار، وغني يأخذ حذره ويهرب منها عند أول إنذار رسمي وأول دعوة للإخلاء، طالما أنه يمتلك القدرة المادية التي تكفل له الهروب من أرض كوارث إلى أرض أكثر أمناً، في الداخل أو الخارج.

بعض الكوارث لها مواسم، وتأتي في مواعيد شبه محددة سنوياً، وفي مناطق أيضاً شبه محددة. وعلى الرغم من ذلك، فإن لها ضحايا كل عام، ومازالت أكثر الدول تقدّماً عاجزة عن اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تضمن سلامة مواطنيها من الكوارث التي تتعرض لها بعض ولاياتها ومدنها، وآخر الكوارث التي تعرضت لها الولايات المتحدة، العواصف الشديدة والأعاصير التي ضربت ولايتي كاليفورنيا وألاباما مؤخراً، والتي فرضت على الرئيس جو بايدن إعلانهما منطقتي كوارث كبرى، بما يتيح دعماً فيدرالياً وتوفير مساعدات عاجلة للمتضررين، وتمويل جهود التعافي في المدن والقرى المتضررة في الولايتين.

الولايات المتحدة، الدولة العظمى والأقوى والأقدر، والمحرك الأساسي لمعظم أحداث العالم، والناطق الرسمي باسم الأرض، وما شئت من ألقاب أطلقتها على نفسها أو أطلقها عليها الإعلام العالمي الذي تتحكم فيه وتوجّهه بما يخدم أجندتها السياسية، ويدافع عن مصالحها الممتدة في مختلف قارات الدنيا، باعتبارها رئيسة مجلس إدارة الكوكب تعجز عن حماية مواطنيها من الكوارث الطبيعية، ولا تجد أمامها سوى إعلان حالة الطوارئ في المناطق المنكوبة للسيطرة على الوضع حتى تعبر الكارثة، وتتم معالجة مخلفاتها التدميرية والتخريبية، وإعادة الفارين أمامها خوفاً وهلعاً إلى منازلهم وتعويضهم عن خسائرهم، فما بالكم بالدول الضعيفة والهشة التي يمكن أن يجرفها تسونامي، أو يخلخل قواعدها زلزال أو تعصف بكيانها عاصفة قوية؟

كوارث هذا العام أقوى من كوارث العام الماضي، وكوارث المستقبل ستكون أكثر تهديداً للسلم العالمي من كوارث الحاضر، وليس نظرياً أن عواصف وأعاصير وفيضانات وزلازل المستقبل يمكن أن تخلخل دولاً وتعصف بأقاليم، وتهز الأرض تحت أقدام البشر، إن لم يتم التصدي بشكل عاجل للتغيرات المناخية التي بدأ العالم يحصد مرّها على مدار مواسم العام المختلفة، تصحّراً في المساحات الخضراء، وتطرّفاً في الحر والبرد، وهطلاً مستمراً لأسابيع للأمطار في بعض المناطق، بما يؤدي إلى عجز التربة عن الامتصاص، وفيضانات وعواصف تغرق القرى والمدن وتهلك الزرع والحرث، وتجرف المنازل وتهلك البشر وتدمّر الطرق والسيارات، وتسبب انهيارات أرضية، وتخرب البنى التحتية، وتقضي على منجزات الإنسان خلال سنوات وعقود.

انقطعت أنفاس الأمريكيين من هول المشهد في المدن المنكوبة، وارتبكت الإدارة الأمريكية المركزية وإدارات الولايات في التعاطي مع الأزمة، فما بالنا بدول تعد مناطق كوارث على مدار العام، ولنا في ما يحدث في الفلبين من شهر لآخر درس، وما بالنا بدول تعرّضت لكوارث هزتها اقتصادياً واجتماعياً مثلما حدث في باكستان قبل أشهر، ومثلما يحدث في دول مختلفة من وقت لآخر، فضلاً عن الجزر والمدن الشاطئية المهددة بالغرق خلال سنوات معدودة، والمساحات الواسعة من اليابسة المهدّدة بالغرق.

العالم يعاني ركوداً اقتصادياً أفرز مشكلات معيشية وقلاقل اجتماعية في العديد من الدول، وتأتي فاتورة الكوارث الطبيعية لتزيده ركوداً وتضيف إلى أزماته أزمات، حيث تبلغ هذه الفاتورة خلال عام 2022 وحده 268 مليار دولار، وهو مبلغ جدير بإحداث انتعاش اقتصادي لو أنفق على مجالات أخرى.

معطيات كثيرة تضع الإنسان أمام مسؤولياته وتفرض عليه التعامل مع قضية التغير المناخي بشكل مسؤول، ولعل «كوب 28» في الإمارات يكون الحدث الذي يضع حلولاً فورية لهذه الأزمة التي تهدّد حاضر الإنسان ومستقبله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrn8xtdd

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"