أهمية التجارة المرنة

21:38 مساء
قراءة 3 دقائق

استنزفت أحداث السنوات الثلاث الماضية الاقتصادات العالمية، من جائحة أودت بالملايين وفرملت عجلة النمو، إلى حرب طاحنة شرقي أوروبا وما نتج عنها من خسائر في الأرواح والبنى التحتية، إلى تداعيات أسعار النفط والغذاء على المشهد العام. وفوق كل هذا، تطالعنا مشكلة تغيّر المناخ وموجات الجفاف والفيضانات الشديدة التي عطلت القدرة الزراعية، وفاقمت نقص الطاقة والسلع الأساسية في معظم أنحاء العالم. وفي العالم النامي، شهدنا ارتفاعاً في معدلات الفقر لأول مرة منذ عقود.

وعلى مدار العام الماضي، قدمت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خطة اقتصادية تاريخية لتعزيز مرونة أمريكا في مواجهة اضطرابات الإمدادات الباهظة، مثل تلك التي عانينا منها. وساهمت الخطة، إلى جانب دورنا في وزارة الخزانة، في التخفيف من اختناقات الموانئ من خلال المراقبة المستمرة لسلاسل التوريد والاستثمار التاريخي في البنية التحتية المادية.

لكنني أرى أن نجاح خطتنا يعتمد أيضاً على سياستنا الاقتصادية في الخارج. ففي عالمنا اليوم، أعتقد أن أي أجندة اقتصادية يجب أن تأخذ في الاعتبار إمكانية تأثير الصدمات، الإقليمية والعالمية، في سلاسل التوريد، بما في ذلك تلك الصدمات التي تحركها سياسات بعض الحكومات الأجنبية. ونحن قلقون بشأن نقاط الضعف الناتجة عن التركيز المفرط والمخاطر الجيوسياسية والأمنية وانتهاكات حقوق الإنسان. ومن خلال نهج يسمى «دعم الأصدقاء»، تهدف إدارة بايدن إلى الحفاظ على كفاءة التجارة مع تعزيز المرونة الاقتصادية للولايات المتحدة وشركائها.

وتجلب التجارة الدولية معها فوائد اقتصادية كبيرة لجميع الدول المعنية، إذ لا يمكن لأي بلد، ولا ينبغي له، أن ينتج كل السلع التي يحتاجها اقتصاده. والمهم هنا قدرتنا على تصدير البضائع واستيرادها بكفاءة أكبر. أما بالنسبة للشركات، تعزز التجارة الدولية الإنتاج من خلال توفير سوق أكبر للصادرات، والتوسع وخلق وظائف جيدة لعدد أكبر من الناس. وبالنسبة للمستهلكين، يعني كل ما سبق أسعاراً أقل، وخيارات أكبر في المنتجات التي يشترونها.

وعليه، نحتاج إلى تجارة آمنة تجني فوائد التكامل الاقتصادي وتوفر قدراً أكبر من الموثوقية لتوريد السلع التي نعتمد عليها، وتشجع أيضاً التدفقات العالمية للأفكار المهمة للاكتشاف العلمي والتقدم التكنولوجي، من دون أن نُغفل ثلاثة مخاطر رئيسية:

الخطر الأول هو التركيز المفرط. فلدى الولايات المتحدة وشركائها مصلحة قوية في خلق فائض وتنوع في سلاسل التوريد الخاصة بهم. لذلك، يجب أن نتجنب التركيز المفرط على استيراد السلع الحيوية المنتجة في سوق معين. صحيح أن تركيز مصادر المكونات الرئيسية يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى خفض التكاليف، لكنه يترك سلاسل التوريد عرضة للاضطرابات المتتالية التي تضر بالعمال والمستهلكين.

خذ على سبيل المثال أشباه الموصلات، فالرقائق الدقيقة هي لبنات البناء الأساسية للاقتصاد الحديث. ومع ذلك، تقع جميع عمليات تصنيع الرقائق الأكثر تقدماً في شرق آسيا. وقد رأينا بشكل مباشر عواقب النقص الذي أثر في 169 صناعة على الأقل، في الولايات المتحدة. وبالنسبة لصناعة السيارات وحدها، أفقد نقص الرقائق أثناء الوباء الشركات 210 مليارات دولار من الإيرادات في عام 2021.

ثانياً، لا بد من تتبع المخاطر الجيوسياسية والأمنية. فخلال الأشهر الخمسة الأولى التي أعقبت الحرب الروسية في أوكرانيا، قفز سعر الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 170%، وارتفعت تكاليف الغذاء إلى حد قدّر فيه برنامج الغذاء العالمي أن الحرب قد تخلق انعداماً حاداً في الأمن الغذائي يطال نحو 70 مليون شخص إضافي، لذا علينا التحوط جيداً.

والخطر الثالث يمكن في سلاسل التوريد التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية وضرورة الابتعاد عنها. فعلى مدى عقود، حظرت الولايات المتحدة استيراد السلع القادمة من العمل القسري، بما في ذلك القطن والطماطم وبعض المنتجات القائمة على السيليكا. وستدافع واشنطن باستمرار عن حقوق الإنسان، بما فيها قراراتنا المتعلقة بسلسلة التوريد.

لقد أعاقت هذه المخاطر نمونا الاقتصادي في العامين الماضيين، وزادت التكاليف على عائلاتنا، كما أضرّت بأمننا القومي، لذلك فقد حان الوقت لاتباع نهج منظم لمعالجتها.

ونحتاج هنا إلى الاعتراف بأن القطاع الخاص لا يطبق المستوى الصحيح من المرونة الاقتصادية في حد ذاتها. ويتم تحفيز بعض الشركات بشكل كبير للتركيز على خفض التكاليف على المدى القصير، من دون أن تأخذ في الاعتبار المخاطر طويلة الأجل مثل التركيز المفرط في سلاسل التوريد.

وحتى عندما تسعى الشركات إلى تحقيق مستوى أمثل من المرونة بشكل خاص من خلال سياسات التأمين وتراكم المخزون، فإنها غالباً ما تتناسى مخاوف الأمن القومي، أو كيف يمكن أن يؤثر انقطاع إنتاجها في الشركات أو المستهلكين الآخرين. وبالتالي يجب على الحكومات المعنية أن تلعب دوراً حاسماً في تعزيز المرونة الاقتصادية على المستوى الوطني.

* وزيرة الخزانة الأمريكية- بروجيكت سينديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2er9nf

عن الكاتب

وزيرة الخزانة الأمريكية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"