عادي

عروس الذاكرة

23:41 مساء
قراءة دقيقتين
ميسون أبو بكر

ميسون أبوبكر

عشاق باريس يحفظونها عن ظهر قلب، مقاهيها التي تفترش الأرصفة، علّيّة مونمارتر، الفنانون الذين يعرضون على السياح أعمالهم، نهر السين الذي يعبر باريس ورحلة القارب من بدايته حتى نهايته، كاتدرائية نوتردام، والأحدب الذي لم يبرح ذاكرتنا البكر التي احتفظت بهيئته المخيفة وقلبه الطفل، أجراسها التي تقرع على مدار الوقت، الأوبرا العريقة التي تعرض على زوارها مسرحيات من قرون مضت.

الحي اللاتيني.. الشانزلزيه.. متحفها العظيم اللوفر، ميدان الكونكورد، برجها النشوان، غابة بولونيا ودار شانيل وقصة المصممة العالمية التي لفتت انتباه وبحث الأدباء وكانت موضوعاً لأعمالهم.

دار غابرييل بونور شانيل، وشقتها على قائمة معالم باريس المهمة للسياح والزوار، التفاصيل التي اتخذتها في تصاميمها والمستوحاة من طفولتها القاسية التي عاشتها، والغموض الذي أحاط بحياتها وخلجاتها النفسية وآثار ذلك عليها.

إن كانت باريس مدينة النور لزوارها فهي المدينة الحلم لهواة الأدب والشعر والمسرح والفن، منها يلوح لك الشعراء الذين مضوا وبقيت قصائدهم تعويذة حياة تذكرنا بهم.

الفونس لا مارتين والمرأة عند البحيرة، أوسكار وايلد وموليير والخالد فيكتور هيجو، وآخرون من كل بلاد الدنيا مروا بها، وكأن زيارتها عناق للمدينة الساحرة وهوية جديدة يحملها زوارها.

باريس المدينة التي حافظت على النمط المعماري منذ آلاف السنين، والتي يمنع قانونها أن تزال المباني القديمة، بل يتم تأهيلها من الداخل مع الإبقاء على واجهة المباني كما هي وقد يستهلك التأهيل سنوات، لتبقى تلك المدينة التاريخية الخالدة في قلب الحاض.

باريس تسكن في الشتاء صدر غيمة، وفي بردها يحتمي المارة بالأنفاق وهم يتجولون عبر شرايينها إلى أصقاع باريس المترامية الأطراف، لأنه في زحمة المدينة تصبح شوارعها خانقة ومواصلاتها صعبة.

باريس عاصمة الحرية المطلقة تختنق بين الفينة والأخرى بقصة اغتيال أو تراشق النار في شوارعها، وتخريب واجهاتها، وكسر نوافذ محالها.

صديقتي العربية المقيمة في باريس تقول إن باريس عالم المرأة الاستثنائي، مظلة الحرية الإنسانية لها، وإن صح قولها ففي الجهة المقابلة هي امرأة كادحة تعمل بجهد كبير سواء داخل أسرة أو وحيدة، فالحرية التي نشدتها المرأة هناك تدفع ثمنها كثيراً. هي باريس بكل متناقضاتها، بأحيائها المختلفة وتاريخها وسحرها، باريس الفاتنة حتى في مواسم البرد القارص والغيم الذي يحجب السماء، فيحيل نهارها ليلاً في موسم الشتاء.

وسواء كنّا من زوارها أو مارّين على تاريخها الشعري والفني فهي عروس ذاكرتنا وحبر أقلامنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rhnmjxv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"