الدهشة...!

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

الدهشة في كل شيء، في ملامحنا، في شخصياتنا، في حواراتنا، في أرواحنا، أفعالنا، كتاباتنا، قيل لي «لا أستطيع التوقف عن الكتابة» وأقول: «وهل لك أن تتنفس دونها، أن تعيش خارج رواقها، وأن تحتضن غيرها، أن تثق بأشباهها، أن تصادق نصفها، أن تجاري غير حبها، أن تتحرر منها، أن تتأوه وتتلوى دونها؟ أن تفرح وتقفز دون حضورها»، هي التي ستعيد لك الدهشة مراراً وتكراراً، ولا تشبع منها، نحن نكتب لندهش أنفسنا وندهش الحياة من حولنا، لتنتفض الدنيا القاتمة فتتلون وروداً في ربيع التحديات، وتستمر الدهشة.

الصفة التي لن نتخلى عنها في كل حالاتنا هي الدهشة، حين تغيب فإنها رسالة، وجرس إنذار أن ما نكتبه وما نعيشه ليس حقيقياً، وأن الوقت حان لأن نعيد برمجة ما نفعل، أن نستمع أكثر للطبيعة وأن نرفرف بحرية طير لا ينظر إلا للسماء، أن نتجرد من الكل إلا من أنفسنا، أن نسافر ونرحل عن ما يقلقنا، أن نتوتر في ما يخصنا ونقلق، وأن لا نفتح مساحة إزعاج لمن حولنا، أن نضحك كالطفل وندهش ملامحنا حتى تتورد، وتعود لها الانتعاشة الأولى، الحب والرغبة، السعادة والتجربة.

الدهشة يا صديقي ليست فعلاً؛ بل هي انتماؤنا لكل شي يشعرنا بتلك النفضة التي تحرك فينا الساكن وتبث فينا الميت، وتحفظ لنا ما خلقنا لأجله، أن نشعر بكل شي حي يمر بنا، وأن نتغاضى على السمية في أحاديث البعض، ترفعاً واحتراماً لنا. أن نبتكر الدهشة في يومياتنا، في مكاتبنا، أن تكون جدراننا صورة عنا، أن تلتفت حولك فتنظر إلى الصور، والرسومات، والأوراق والدفاتر وتعلوك تلك الابتسامة المريحة التي أشعر بها وأنا أكتب لك.

لا تلتفت كثيراً للتفاصيل، ولا تخطط كثيراً للأيام، عشها وكن حاضراً في صورتك البهية، كن جميلاً موجوداً، مبتسماً مهللاً، كن حبيباً وقاسياً أحياناً، ساتراً نفسك ومن أتمنك، جامعاً للمحبين حولك، رافضاً للقيل والقال جملة، محترماً من في حضرتك، ومودعاً من يقهرك، داعياً إلى الود، ورسولاً إلى البعد لمن لا يريد وجودك، سائلاً عمن وصلك، ومرحباً بالناس دون منصب، مدركاً في كل يوم أنك تتنفس دقائق السعادة التي وجدت لأجلك، وتطلق زفيراً حاراً محرقاً كل ألم يجردك من أبعادك الإنسانية، ستجد الدهشة في كتاب، في قهوة صديق، في تسوق مع غريب أحياناً، في تذكرة سفر مفاجئة دون تخطيط، في حضور بهي لأمسية شعرية، في قطعة شوكولاتة تتلذذ بها مغمض العينين حالماً بالدنيا التي في داخلك، في حالة فخر تمثلك، في جملة حب كتبت لك، في كل شي يقول لك «أنت إنسان تستحق»، في فوضى خلقتها وأنت تعتصر قلبك غراماً للوحة، فيك وفي كل ما يجعل ذراتك بهية نضرة مشرقة. تعمق وتجرد وكن مشدوهاً مندهشاً للسماء في تجليات الرحمة والحب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xa9huwr

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"