هوامش حول مقال دستور 1923

01:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. مصطفى الفقي
تلقيت رسالة كريمة من المستشار القانوني المعروف، شفيق إمام، الذي عمل لسنوات طويلة مستشاراً لمجلس الأمة الكويتي، ثم اختاره محمد جاسم الصقر أول رئيس للبرلمان العربي ليكون مستشاراً للبرلمان الجديد في سنواته الأولى، وكنت أشغل وقتها منصب نائب رئيس البرلمان العربي، ومقره القاهرة، وانقطعت بنا السبل لما يقرب من خمسة عشر عاماً، حتى تلقيت رسالة من ذلك القانوني الضليع الذي اهتم دائماً بالقانون الدستوري في رحلة عمله الثرية، وأضع أمام القارئ نصاً موجزاً لما يدور حول أهم دستور في تاريخ مصر الحديثة، يقول المستشار إمام في رسالته:

لعلّي اخترت من بين وظائفك ومناصبك العديدة التي تبوأتها، منصبك في البرلمان العربي، بحكم الصلة الوثيقة بين هذا المنصب، وبين حديثك على صفحات الأهرام، عن مئوية دستور 1923، باعتباره حارس الديمقراطية في مصر، حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وباعتباره معبّراً عن الحاجة إلى قيام نظام برلماني، تكون فيه الأمة مصدر السلطات، وقد جمعنا البرلمان العربي، باعتباره معبّراً عن حاجة الأمة العربية إلى نظام برلماني يوحد صفوف الشعوب العربية، لكي تكون الوحدة العربية قرار الشعوب، وليس قرار الحكومات.

وإذ أشكركم على التذكير بدستور 1923، باعتباره أول دستور في الوطن العربي، في أول ديمقراطية رائدة في هذا الوطن، وإحياء مئويته بهذه المبادرة في هذا المقال القيم، أكرر شكري على دعوتكم إلى جميع من يمتلكون رأياً في هذا الدستور، أو في أي بند من بنوده.

وفى سياق تلبية هذه الدعوة، ربما يكون على رأس المواد التي يجب التعليق عليها هي المادة (48) من دستور 1923، التي تنص على أن «الملك يتولى سلطته بواسطة وزرائه»، وهو أمر طبيعي كذلك لسبب آخر هو ما كان ينص عليه دستور 1923 من أن سلطة الملك ذاته مصونة لا تمس في المادة (33)، فممارسة الملك سلطته بواسطة وزرائه، تبعده عن مسببات التبعة والمسؤولية السياسية، وهو ما تجري به الدساتير الملكية جميعاً.

ولعل سبب اختيار هذا البند من بنود الدستور، التطبيق الصارم للمادة (48) من الدستور، في استهلال التجربة الديمقراطية فى ظل دستور 1923، وخلاف الحكومة مع الملك فؤاد حول رفض حكومة سعد زغلول تعيين الملك للخمسين من أعضاء مجلس الشيوخ، طبقاً لسلطته المنصوص عليها في المادة (74) من الدستور، إلا بناءً على عرض مجلس الوزراء، وتم الاتفاق بين الملك ورئيس الحكومة سعد زغلول على تحكيم البارون البلجيكي فان دي روس النائب العام وقتئذ، في هذا الخلاف، الذي حسم المسألة، بما أتاه من قوله بأن تعيين الخمسين من أعضاء مجلس الشورى يجب أن يكون بناء على عرض مجلس الوزراء، تأسيساً على أن تولي الملك سلطته بواسطة وزرائه يعتبر أساس النظام الدستوري، لا يحتمل أي استثناء، وأذعن الملك لهذا الرأي.

ويسجل التاريخ لحكومة عبد الخالق ثروت أنها رفضت سفر الملك فؤاد إلى أوروبا في رحلة سياحية، إلا مصحوباً بوزير خارجيته، وقد ساندها البرلمان في ذلك، الذي رفض اعتماد مصاريف الرحلة إلا بعد رضوخ الملك لمطلب الحكومة.

ويسجل التاريخ لمصطفى مرعي عضو مجلس الشيوخ استجوابه الموجه للحكومة عن تصرفات المستشار الصحفي للديوان الملكي، والاستجواب الموجه عن الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين التي كان لحاشية الملك فاروق دور كبير فيها، كما أن الإنفاق على الباخرة المحروسة الخاصة بالملك كان موضوع مساءلة سياسية أخرى للحكومة.

هذا غيض من فيض التجربة الديمقراطية في مصر في ظل دستور 1923، مع قبول خالص تحياتي وتمنياتي لكم بالصحة والعافية.

المستشار شفيق إمام.

وإذا كان لنا من كلمات مباشرة تعليقاً على رسالة المستشار المخضرم شفيق إمام، فهي استحسان لما ورد فيها وتقدير لكاتبها، وهي رسالة كاشفة عن بعض الجوانب الإيجابية في التجربة الديمقراطية المصرية التي كانت موازية لنظيراتها في الدول الأوروبية المتقدمة، لذلك نختلف كثيراً مع من أشاعوا أن المصريين ليسوا أهلاً للديمقراطية الحقيقية، وبنائها المتكامل، ويوماً ما سوف تستعيد مصر الناهضة تقاليد الديمقراطية الصحيحة لتعود قدوة لغيرها في المنطقة ومنارة للحريات وقلعة يلوذ بها كل من يسعى للنهوض وارتياد طريق المستقبل في إيمان بالله وبالوطن في أحضان الأمة الواحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45tj2n5d

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"