قمة أبوظبي.. والمصالحة القطرية - البحرينية

00:05 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

د. صلاح الغول

في قمة العُلا (يناير 2021)، انطلقت مبادرة جادة لإصلاح البيت الخليجي من الداخل وإنجاز المصالحة الخليجية. واستطاعت القمة التي ترأسها الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، تحقيق اختراق مهم في تفعيل النظام الخليجي. ثم جاءت القمة العربية المصغرة في أبوظبي، في يناير 2023 التي دعا إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» لاستكمال ما بدأته قمة العلا، ولاسيما على صعيد المصالحة القطرية - البحرينية.

ولا يزال يتطلب الكثير من الجهد لتطوير النظام الإقليمي الخليجي، ومركزه مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واستثمار لحظة الخليج في السياسة الدولية، حيث يتصاعد دوره في السياسة العالمية والإقليمية، ويتزايد تأثيره في مجريات تطور النظام الدولي في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ العالم.

ولعل من حُسن الطالع أن يتواكب ذلك مع تعيين السفير الكويتي جاسم محمد البديوي أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي، بدءاً من الأول من فبراير الجاري، بخبرته الدبلوماسية الواسعة، ما يحمل مضامين مهمة لتطوير العمل الخليجي المشترك، وتطوير علاقات المجلس الدولية، ولاسيما لجهة إتمام منطقة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، ودعم العلاقات مع حلف الناتو. والحقيقة أن كون الأمين العام الجديد يحمل جنسية وقيم دولة الكويت، صاحبة دور الوساطة والمساعي الحميدة في الأزمة الخليجية، سوف يرفد جهود الإصلاح والمصالحة في منطقة الخليج بطاقة حيوية جديدة.

وكما قدمتُ آنفاً، كانت قمة العُلا قد أطلقت جهود الإصلاح والمصالحة بين الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي. فقد كان بيان العلا إيذاناً بإنهاء الأزمة الدبلوماسية مع قطر، وفُتِحت بموجبه كل من الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر. وتم تأكيد وحدة الصف ولمّ الشمل وجمع الكلمة.

ولكن الغمام ظل يغطي العلاقات بين الجارتين قطر والبحرين. وثمة مشكلات عدة عالقة بين الجارتين، تتعلق ببعض الجزر الصغيرة وحقوق الصيد والحملات الإعلامية المتبادلة والتحالفات الدولية وشكاوى من التدخل في الشؤون الداخلية وغيرها. ولكن أكثر هذه المشكلات شدة وأمضاها تأثيراً كان حالة الخصام شبه الرسمي على مستوى القمة بين الدولتين، وعدم تبادل الحوار أو الزيارات بينهما، ومن هنا، جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى قمة عربية مصغرة، كان على قمة أجندتها أن يلتقي الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر وجهاً لوجه، ويُذاب جبل الجليد الآخذ في النمو بينهما.

وفي قمتهم العربية المصغرة، شدّد القادة المجتمعون من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن على أهمية الالتزام بقواعد حسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وكان ذلك معالجة دبلوماسية لبعض أبعاد المشكلات بين قطر والبحرين، كما قدمنا، إذ لا تمس الحاجة لهذه المبادئ إلا في العلاقات بين الجارتين. كما أعلن القادة عن توجّه خارجي جديد، انطلق من أبوظبي منذ فترة في مبادئ الخمسين (سبتمبر 2021) والمبادئ الثمانية للسياسة الخارجية الإماراتية (نوفمبر 2022)، يركز على تعزيز الاستقرار الإقليمي لأجل التفرغ لتحقيق الأهداف التنموية والازدهار لشعوب المنطقة، عن طريق آليات التعاون الاقتصادي وبناء الشراكات الاقتصادية والتنموية بين دولهم وعلى المستوى العربي عامة. وبحث القادة خلال لقائهم العلاقات الأخوية بين دولهم ومختلف مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات التي تخدم تطلعات شعوبهم إلى مستقبل تنعم فيه بمزيد من التنمية والتقدم والرخاء. ومرة أخرى، يُشير البيان الختامي لقمة أبوظبي من طرف خفي إلى العلاقات غير الطبيعية بين قطر والبحرين، عندما يؤكد الروابط التاريخية الراسخة بين الدول المشارِكة في القمة، وأهمية التواصل والتشاور والتنسيق المستمر بينها تجاه مختلف التحولات في المنطقة والعالم.

وقد أطلق البعض لتفاؤله العنان، فظن أن هذه هي نهاية الأرب في بلوغ المصالحة بين البحرين وقطر، ولكنها كانت مجرد بداية، تلتها مبادرة بحرينية باتصال هاتفي بين ولي عهد البحرين وأمير قطر، ما قد يمهد السبيل لعودة المحادثات الثنائية لتسوية القضايا العالقة بينهما، «تحقيقاً للخير» للبلدين، والحفاظ على «تماسك الخليج».

والآن، لايزال يقع على عاتق مجلس التعاون الخليجي وأمينه العام، وعلى الدولتين الكثير من العمل من أجل استمرار المحادثات الثنائية الشفافة لتسوية «القضايا العالقة» بينهما.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

عن الكاتب:
كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية