الملكية الفكرية

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

الإحساس الذي تشعر به وأنت تصمّم أو تفكر في إنتاج أدبي أو فني أو إبداعي لا يوصف؛ أن تتعمق في كل تلك المشاعر التي تتولد في داخلك من قصة التعايش الروحية التي تنقل كل طاقاتك من الفكرة «الخبوزة» في عقلك إلى الورق، والنسخة الأولى من المسودة إلى نسخة أخيرة فنية حالمة متجذرة بتفاصيل قصتك وحكايتك المحبوكة بنشوتك الجميلة المتشابكة، مع تلك الابتسامة التي لا يعرفها غيرك حين ترى عملك يتراقص أمامك.

كثيرة هي تلك الأفكار التي نقوم بها، نتعايش معها ونعطيها من وقتنا، وقد نتشاركها مع غيرنا بحسن نية وأننا نريد للغير أن يعيش الجمال الفكري والتجربة التي نمر بها، كل النيات الطيبة وحسنها لم يحمنا كثيراً، حين نستفيق يوماً ونرى أن أفكارنا نفّذها غيرنا، وأن البعض لم يحترم حقنا الأدبي، وأصبحت الحكاية «ليست فكرتك.. توارد خواطر»، أو أن بعض التفاصيل مختلفة. نعم مختلفة فأنت حين تتجرد من صدقك ومبادئك وتعاكس ضميرك، وتفعل بعض «الرتوش» لتوهم غيرك أنها فقط بعض من تشابهات، كيف تستطيع حينها أن تواجه حقيقة أنك بالفعل «لص؟»، هنا تعود إلينا قصة الحقوق والملكية الفكرية!

سمعت أن الملكية الفكرية لعمل ما لا تسجّل إلا إذا أنتج العمل وصار ملموساً، فماذا عن الأفكار المرسومة والمسودات التي نتشاركها مع غيرنا؟ هل نقدّم سوء الظن والحذر مع كل من نتعامل معه حتى نتجنّب تلك المتاهات مستقبلاً، ونحتفظ بكل شيء لأنفسنا؟

عن نفسي فوجئت قبل ليلة بأن إحدى مسوداتي قد نفذت في جهة ما، وأن ثقتي لم تكن في محلها، فهل هي غلطتي أم حسن نية، أم إن الوقت حان لأن نتعلم ألاّ نتشارك أي شيء حتى مع تلك الأماكن التي لها مسميات رسمية. فاق الأمر الأصدقاء (أو من نسميهم أصدقاء) وصار جريمة، نعم قد تُغير في شكل منتجك، لكنك سرقت فكرة من عقل ذلك الإنسان.. العقل الذي استثمر فيه وطوّره ليخرج لك بفكرة إبداعية وقصة تلامس متطلبك. الملكية الفكرية ضوابط ومعايير، نحتاج بحق إلى ألا نتهاون فيها، وأن نربط حقوقنا بالتوثيق واتباع ما يحفظ لنا فكرنا وتعبنا، فليست الدروس سهلة، تؤتى لك لتعلمك أن ما سرق منك وإن كان صغيراً، سيمهّد الدرب لأن تستباح الأفكار الأخرى، وتعيش في دوامة أن كل ما تفكر فيه منتج غيرك، وصنعة آخر، وتوصيف جميل لإنسان غير لائق. الوقت جدير بكشف كل السرقات، لكن لا تجعل أحدهم يأخذ منك ما تعبت عمراً لتُعلّمه لنفسك وتطوّر فيه، وهنا تأتي الأدوار التكاملية بين الأفراد والجهات الثقافية والاقتصادية التخصصية.. بين الحق والحق المسلوب، بين الفرحة والصدمة، بين الإنجاز والانتهاك، بين السعي والتقصير. أتمنّى لكل المبدعين أن يكونوا بخير، وأن تكون أفكارهم ملكاً حصرياً لهم، لا تُسلب ولا تُنتهك.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58nbce8j

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"