لبنان بين الفراغ والانتفاض

01:17 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لم يعد أمام المواطن اللبناني العادي أي خيار سوى الصراع للبقاء على قيد الحياة بديلاً من الذهاب إلى الموت، بعد أن تبددت كل الرهانات وتلاشت كل الآمال حول إمكانية قيام أية جهة، داخلية كانت أو خارجية، بانتشاله من القاع الذي دفعته إليه الطبقة السياسية بكل تلاوينها الطائفية والمذهبية، من دون أن يجد اليد الممدودة لمساعدته.

كل شيء معطل في لبنان، إلا المناكفات السياسية والمواقف الكيدية، التي لم تثمر سوى في تعميق الهوة التي ألقي فيها المواطن العادي رغماً عنه، فالانهيار الاقتصادي والمالي أصبح حقيقة واقعية؛ بل من المسلمات، والفراغ الرئاسي الذي يدّعي الجميع أنهم كانوا يبحثون عن ملئه، بينما كلهم مسؤولون عن استمراره، سرعان ما تبعه فراغ حكومي وتشريعي، وامتد إلى القضاء، وإلى كل مؤسسات الدولة وقطاعات الصحة والتعليم والطاقة والمحروقات وغيرها.

وحده الدولار الذي تعملق في زمن الفراغ وتسيّد الموقف نصّب نفسه حاكماً فعلياً للبنان، وتمكن خلال شهور قليلة من تحقيق قفزات نوعية هائلة، من نحو 1500 ليرة بالسعر الرسمي، إلى أكثر من 80 ألفاً في السوق السوداء، ومن المرجع أن يتجاوز قريباً المئة ألف، من دون أن يتمكن أحد من إيقافه. وبالمحصلة ارتفعت معه أسعار كل مواد الغذاء والدواء والمحروقات، لكي تتعمق مأساة المواطن العادي وتشل قدرته على تأمين لقمة عيشه أو الحليب لأطفاله، وتدفعه إلى هاوية اليأس والإحباط، بينما لا يزال القادة السياسيون يتقاتلون حول هوية «الرئيس» المقبل ومقاساته المطلوبة لكي تتلاءم مع منصبه الجديد.

ماذا يفعل المواطن اللبناني العادي وهو يرى كل ما حوله ينهار، بينما هو يواجه المزيد من الغرق في مستنقع السياسات التي أفرزتها الطبقة المتنفذة، من دون أن يكترث أحد ببقائه على قيد الحياة. لم يعد بوسع هذا المواطن البسيط انتظار «معجزات» على شكل «تسويات» أو غيرها من الداخل والخارج، تعيده إلى الحياة ودورتها الطبيعية أسوة بباقي البشر، بعد أن أصبح ظهره إلى الحائط، وبعد أن حاول الهروب إلى أي ملجأ آمن فلم يجد أمامه سوى الموت في عرض البحر. وبالتالي لم يعد أمام هذا المواطن البسيط سوى القتال من أجل البقاء والخروج إلى الشارع ليس فقط للمطالبة بحقوقه الأساسية التي داست عليها الطبقة المتنفذة، بلا رحمة، وإنما لاجتثاث هذه الطبقة من جذورها، وهي التي تسببت بكل هذه الأزمات وأوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.

بهذا المعنى، وبغض النظر عن المخاوف من انفلات أمني أو فوضى، لم يعد مستغرباً حدوث انفجار اجتماعي كبير قد يأتي على شكل انتفاضة شعبية شاملة من كل الطوائف والفئات والشرائح الاجتماعية ليحرق الأخضر واليابس، إذا لم يتم تدارك هذا المنزلق الخطِر الذي وصل إليه لبنان قبل فوات الأوان. وهذا الحراك الاجتماعي، إن حدث، لن يكون على غرار حراك تشرين 2019، الذي سرعان ما تحكمت فيه الزعامات السياسية، آنذاك، لأنه لا يمكن للناس أن «تلدغ من الجحر مرتين».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mkwekue

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"