عشرينية تدمير العراق.. أوهام وخطايا

00:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

بعد عشرين عاماً على غزو العراق لم يعد ممكناً لأحد ممن وفروا له الذرائع التي ترادف الخطايا أن يستعيد مواقفه مدافعاً عنها، أو أن يستذكر أوهامه القديمة التي ربطت بين الغزو والديمقراطية!

كان ذلك عاراً حقيقياً، لا السياسيون اعتذروا طلباً لصفح الرأي العام ولا الصحفيون فكروا في مراجعة الخطايا التي ارتكبوها احتراماً لقرائهم!

بقوة الحقائق، التي لا سبيل إلى إنكارها، لم يكن غزو العراق في مارس/ آذار (2003) عملاً تحريرياً كما قيل بالادعاء في مقالات منشورة، ولا كانت الديمقراطية الغائبة هي موضوع الحرب كما تناثرت الدعايات على نطاق واسع.

لم يستقبل العراقيون قوات الغزو بأكاليل الغار ولا اعتبروا المنصات التي بشرت به قوى ديمقراطية ودعاة تحرر!

استبيح البلد كله، دُمّرت بنيته التحتية، فُكّكت دولته جيشاً وأمناً ووجوداً، استُهدفت وحدته الداخلية لإثارة فتن طائفية طلباً لتقسيمه، نُهبت المتاحف والثروات، واغتيلت الذاكرة الوطنية نفسها.

الصور داهمت الادعاءات بفظائع غير متصورة قتلاً تحت التعذيب واعتداءً جنسياً في سجن أبو غريب، حتى أن جندياً أمريكياً صرخ: «لقد كرهت نفسي».

وقد لعب الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش دوراً رئيسياً، في كشف قدر الفظائع والانتهاكات وتقويض ادعاءات للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عن الديمقراطية التي يبنيها!

وفق وثيقة كشفت عنها مطلع أكتوبر (2005) بخط يد نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان تحدث مسهباً عن تعرضه مع صدام حسين ومئة من كبار معاونيه للضرب المبرح وإجبارهم على الزحف أرضاً لمسافات طويلة، أو الجلوس شبه عراة إلا من دشداشة على الرأس لساعات طويلة، أو المشي في طابور تحت الشمس المحرقة ك«الغنم».. هكذا بالنص.

القصة من زاوية إنسانية أقرب إلى تراجيديا إغريقية، مضى فيها صدام حسين إلى النهايات المقدرة زحفاً على أرض متربة في معتقل أمريكي.

والقصة من زاوية سياسية أقرب إلى تراجيديا إغريقية أخرى، مضت فيها الأمة العربية زحفاً إلى إعادة رسم خرائط المنطقة من جديد.

تبددت سريعاً ادعاءات وذرائع الحرب على العراق، لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وثبت أن ما جرى نشره من تقارير استخباراتية تردد فحواها في مجلس العموم البريطاني والكونغرس الأمريكي كاذبة وأنها استخدمت لخداع الرأي العام.

لم تكن هناك أدنى صلة لنظام صدام حسين بتنظيم «القاعدة»، بل إن التنظيم المتطرف وجد طريقه لبلاد الرافدين بعد احتلالها.

في تلك الأيام ارتفعت أصوات عربية عديدة تحذر من أن بوابات الجحيم توشك أن تفتح دون جدوى.

كان قرار الحرب قد اتخذ، ولم تكن هناك قوة ردع كافية لمنع الكارثة المحدقة.

نسبت شهادات أمريكية إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أدواراً عملت على تسهيل الغزو وتوفير غطاء عربي له.

فيما نشر منسوباً إلى الكاتب الأمريكي الشهير بوب ودورد، أن مبارك نقل للإدارة الأمريكية أن لديه معلومات استخباراتية عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل تتحرك على عربات متنقلة حتى لا تصل إليها لجان التفتيش الدولية. المثير أن أحداً لم يحاول أن ينفي أو يرد!

كان مستلفتاً في مداخلات مبارك في جلسات مغلقة مع أعداد محدودة من كبار المثقفين ورؤساء التحرير، تجاهله لأية حجج سيقت عن غياب الديمقراطية في العراق لتبرير غزوه. بنص كلامه بعد احتلال بغداد مباشرة: «العراق لا يمكن أن تحكمه غير قبضة حديدية كقبضة صدام».

كان احتلال بغداد عام (2003) نقطة تحول مفصلية، استدعت مشروعات الشرق الأوسط الجديد وسيناريوهات التقسيم.

لم يكن الهدف الحقيقي من احتلال العراق غامضاً، فقد كان تحطيمه على رأس الأولويات بالنيل من وزنه الجغرافي الاستراتيجي والاستيلاء على موارده النفطية، حتى لا تكون هناك في شرق العالم العربي قوة عسكرية واقتصادية قادرة على منازعة إسرائيل.

جاء الدور على سوريا وبدت مصر، كما كانوا يقولون علناً، الجائزة الكبرى التي ينتظرونها في نهاية المطاف.

بعد احتلال العراق مباشرة كتب توماس فريدمان على صفحات ال«نيويورك تايمز» أن السبب الحقيقي لضرب العراق «أنه كان لابد من ضرب أحدهم في العالم العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر»، لا أسلحة دمار شامل، ولا إيواء منظمات إرهابية، ولا تحرير ولا ديمقراطية، فكل هذه كانت ذرائع لضرب العراق.

لم يكن ممكناً الادعاء بأن صدام حسين هو الديكتاتور الوحيد.

بعد وقت قصير جاء الدور على النظم الحليفة، وبدأ التفكير بصوت أمريكي مسموع في تغييرها. كان ذلك تفسيراً مستجداً لكراهية الولايات المتحدة في العالم العربي، أو إجابة متأخرة على سؤال: «لماذا يكرهوننا؟» الذي طرحه الإعلام الأمريكي أعقاب حادث (11) سبتمبر (2001).

بخطوات متسارعة بدأت نظماً عديدة في العالم العربي تبحث عن مخارج لأزماتها الداخلية بشيء من الاستجابة لما تطلبه وتضغط عليه الإدارة الأمريكية، التي أصبحت قواتها متمركزة في قلب المشرق العربي.

بتعبير الرئيس اليمني علي عبدالله صالح فإنه: «لا بد أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق الآخرون لنا»، كانت تلك برغماتية زائدة جرت في ظلها ثانية انتخابات رئاسية تعددية في العالم العربي، بعد تجربة هزلية سابقة أقدم عليها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.

في (2005) أجريت في مصر انتخابات هزلية ثالثة أخذت من التعددية عنوانها فيما كانت النتائج مقررة سلفاً.

بعد نحو ست سنوات جرت حوادث عاصفة في (2011) أطاحت بالنظم الثلاثة، حاولت تأسيس أوضاع جديدة أكثر حرية وعدلاً، غير أنه جرى إجهاضها، وقد كان للإدارة الأمريكية دور رئيسي في ذلك الإجهاض.

هكذا تبخرت الوعود المخاتلة على مقاصل المصالح والاستراتيجيات، وهذه قصة طويلة ومحزنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8k6ez6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"