في تقريرها السنوي أمام مجلس الشيوخ، توقعت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هينز اندلاع مواجهة حقيقية بين روسيا وحلف الأطلسي، «على الرغم من أن روسيا لا تسعى إلى صراع مع الولايات المتحدة والحلف»، إلا أن تطورات الحرب الأوكرانية تنطوي «على مخاطر كبيرة» لحدوث ذلك.
يُفهم من ذلك أن احتمالات توسع نطاق الحرب لتشمل دولاً أوروبية واردة، وبالتالي فإن مشاركة الولايات المتحدة فيها غير مستبعدة، وفقاً للمادة الخامسة من ميثاق الحلف الذي ينص على أن «أي هجوم، أو عدوان مسلح ضد طرف من أطراف الناتو، يعد عدواناً عليهم جميعاً، وبناء عليه، فإنهم متفقون على حق الدفاع الذاتي عن أنفسهم المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بشكل فردي أو جماعي، وتقديم العون والمساندة للطرف أو الأطراف التي تتعرض للهجوم، بما في ذلك استخدام قوة السلاح للحفاظ على أمن منطقة شمال الأطلسي».
وإذ تبرر المسؤولة الأمريكية هذا الاحتمال بالإخفاقات العسكرية الروسية التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالرئيس فلاديمير بوتين ومكانته المحلية، إلا أنها تكشف من جهة أخرى السبب الحقيقي لاندلاع المواجهة الكبرى بما يتجاوز مسألة الرئيس بوتين، فهي تتحدث عن «اشتداد المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا حول كيف سيتطور العالم»، وما إذا كان يمكن ما أسمته «صعود الاستبداد»، وتقصد روسيا والصين وسعيهما إلى المشاركة في نظام عالمي جديد بدلاً من النظام الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة منفردة وترفض التخلي عنه، وذلك يقتضي منها اشتداد الصراع وتوسعة نطاق المواجهة عندما تشعر بأن نظامها الدولي الأحادي في خطر، وأن هيمنتها في طريقها إلى التآكل.
هي تشير إلى هذا الأمر بالحديث عن محافظة الصين على تعاونها الدبلوماسي والدفاعي والاقتصادي والتكنولوجي مع روسيا «لمواصلة محاولة تحدي الولايات المتحدة»، وهي بذلك ترى أن السعي الصيني والروسي إلى إقامة نظام عالمي جديد «على حساب القوة والنفوذ الأمريكيين» يشكل خطراً لا بد من مواجهته، أما التذرع بمخاطر اندلاع مواجهة بين روسيا وحلف الأطلسي لأسباب روسية داخلية لها علاقة بالإخفاقات العسكرية ووضع الرئيس بوتين، فهو تبرير تنقصه حقيقة أن الولايات المتحدة هي من تأخذ الصراع إلى أبعاد جديدة وخطِرة من خلال المزيد من الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا والإصرار على «هزيمة روسيا» في حربها المباشرة على الأراضي الأوكرانية، إضافة إلى سعيها إلى محاصرة الصين بأحلاف عسكرية، وإمداد تايوان بالمزيد من الأسلحة، ومحاولة قطع الطريق على صعود بكين من خلال المزيد من العقوبات الاقتصادية والتقنية، إضافة إلى التدخل في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادئ.
حديث مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية عن احتمال المواجهة بين روسيا وحلف الأطلسي، يعبّر في الواقع عن توجه استراتيجي لدى القيادة الأمريكية وأصحاب القرار في واشنطن، وخصوصاً المجمع العسكري المستفيد الأكبر من الحرب للمضي قدماً في توسيع المواجهة مع كل من روسيا والصين لمنعهما من منافسة الولايات المتحدة.