حكيم زمانه

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

لفت نظري في الآونة الأخيرة، ظهور أشخاص بعضهم كان مدفوناً بين صفحات الزمان، وبعضهم الآخر كان كما يقول المثل: «تزبّب قبل أن يتحصرم»، بمعنى أنه صار زبيباً قبل أن يصير حصرماً، علماً أن الحصرم هو المرحلة التي تسبق تحول العنب إلى زبيب؛ أي صار حكيماً ومحاضراً ومرشداً قبل أن يدرك كنه الحياة، ويخوض تجارب غنية ومتنوعة ليصقل معرفته وينمي خبرته.

في هذا الوقت بالتحديد، أصبح الجميع خبراء في شؤون الزواج يتفننون في عنونة مقاطعهم المصورة بعبارات من قبيل: الزوج السام، والزوجة النكدية، وكيف تعيشين مع رجل تحسين معه بالوحدة؟! إلى جانب مسميات أخرى غريبة عجيبة لموضوعات مسمومة، تؤدي أغلبها إلى نتائج وخيمة على صعيد الحياة الشخصية.

نعلم اليوم أن أغلب أفراد المجتمع يملكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وال«واتس آب» الذي يجمع الناس في مجموعات يجري فيها تبادل المعلومات، حيث لا همّ ولا شغل لبعض رواد هذه المنصات سوى نشر فيديوهات مليئة بالجهل والخرافات والمعلومات المغلوطة، ظناً منهم أنها مفيدة أو تعبر عن حالة يمر بها مقدمها، على اعتبار أن كل إنسان في وقتنا الحاضر يعيش حياة لا تخلو من الأزمات العائلية وخلافها، الأمر الذي يبيح للناشر، كما يتوهم، عرض مثل هذه الفيديوهات دون أي تحفظ أو مراعاة لسن المشاهد أو نمط تفكيره وبيئته.

إن مثل هذه الفيديوهات التي يمثل أصحابها دور الحكماء، قد تمرّ على زوجة حديثة العهد أو زوج جديد فإنها بدلاً من أن تصلح حال الزواج تزيده سوءاً على سوء، وقد تصل في بعض الحالات إلى أبغض الحلال (الطلاق)، الذي ارتفعت نسبته في أيامنا هذه، إلى حد يستوجب منا تحكيم العقل، وعدم الاستماع لأناس لا تعوزهم المعرفة والخبرة فقط، بل همهم الوحيد هو تحقيق الشهرة والأضواء.

الدولة اليوم وفرت كل شيء للجميع. فهناك جهات تعنى بالإرشاد الأسري وإصلاح ذات البين والاستشارات الزوجية، وهناك دار إفتاء وخلافها من دوائر ومؤسسات مختصة لا تهدف إلى كسب المشاهدات وحصد الأرباح، بل إلى تعزيز أواصر المحبة والتآخي وحل المشكلات المجتمعية القائمة. وعليه، فالأولى عند تعرضك لمشكلات أو ظروف أسرية صعبة أن تذهب إلى الأماكن الصحيحة الموثوقة، وتترك هؤلاء المدّعين الذين يوهمون الناس بما ينشرونه بأنهم حكماء زمانهم وعباقرة عصرهم، بينما يطرحون موضوعات سطحية وسامة، لا غرض منها سوى جذب المشاهدين لزيادة نجوميتهم، ومضاعفة دخلهم الشهري.

وأخيراً إن كنت أحد هؤلاء الذين ينشرون كل شيء، فتوقفْ وفكرْ قبل نشرك لأي شيء، فقد تكون سبباً في تعاسة أحدهم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5a9mjc63

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"