التعددية هي الحل

21:40 مساء
قراءة 3 دقائق

آن كروجر*
الحنكة التي أظهرتها الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها مشهود لها. حيث كانت أمريكا آنذاك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية البارزة في العالم.

وفي ظل النظام الدولي الجديد، بعد الحرب كان من المقرر أن يتم تمويل إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية من خلال البنك الدولي، كما كان مقرراً أيضاً أن يرتكز نظام التجارة الدولية على سيادة القانون، من خلال الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، المعروفة اليوم باسم «منظمة التجارة العالمية». وتم تكليف صندوق النقد الدولي بمنصب الضامن للاستقرار المالي العالمي.

وبفضل الأسواق المفتوحة ونظام التجارة العالمي، نجحت الكثير من البلدان في تحسين مستويات معيشة شعوبها بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، حققت معظم الاقتصادات المتقدمة تحسينات ملحوظة فيما يتعلق بالصحة ومتوسط العمر المتوقع والتعليم والحد من الفقر.

كل هذه الإنجازات كانت نتيجة «التعددية».

بعد 70 عاماً من السلام النسبي والازدهار المتزايد رفضت إدارة ترامب مبدأ التعددية، وبناءً عليه، انسحبت من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وشنت حرباً تجارية على الصين، وفرضت، من جانب واحد، تعريفات عالية على وارداتها، في انتهاك لقواعد منظمة التجارة العالمية. الأمر الذي أدى إلى إضعاف المنظمة أكثر، وإعاقة عمل هيئة تسوية المنازعات التابعة لها، وإدخال تدابير حمائية إضافية على أسس مشكوك فيها تتعلق بالأمن القومي.

قبل عامين، أمل العديد من المراقبين، بل واعتقدوا، أن إدارة الرئيس جو بايدن ستعكس سياسات ترامب الانعزالية والحمائية وتتخذ موقفاً أكثر عولمة. لكن لسوء الحظ، واصلت الإدارة النهج السابق ذاته. ولم يقتصر الأمر فقط على إبقاء معظم التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين سارية المفعول، بل أدخلت الولايات المتحدة سياسة صناعية شاملة لدعم صناعات محلية محددة لتمييزها عن بقية العالم.

وبينما كثفت الأزمة في أوكرانيا الحاجة إلى سياسة تعددية شاملة، عززت جهود بايدن لحماية الاقتصاد الأمريكي من المنافسة الأجنبية. ومن الواضح أن هذين الدافعين متعارضان بشكل صارخ. فالولايات المتحدة بحاجة إلى شركائها وحلفائها، وخاصة الأوروبيين، لضمان فاعلية دعمها لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. ومع ذلك، ومن خلال سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، فإن واشنطن تنأى بنفسها عن صادرات هذه البلدان. من بين أمور أخرى، حصلت إدارة بايدن على موافقة الكونغرس لتمويل مشتريات الإنتاج والاستهلاك لأشباه الموصلات والبطاريات والمركبات الكهربائية وغير ذلك الكثير في الولايات المتحدة. وأصبح بإمكان المستهلكين الأمريكيين الحصول على ائتمان ضريبي بقيمة 7500 دولار لشراء سيارة كهربائية، بشرط أن تكون أمريكية الصنع، كما دعمت الحكومة الفيدرالية جهود إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية الجديدة بما يصل إلى 7 مليارات دولار. وبالمثل، خصصت 39 ملياراً أخرى لبناء منشآت جديدة لأشباه الموصلات على الأراضي الأمريكية.

ونظراً لأن هذه الإعانات ستمنح المنتجين هناك ميزة في التكلفة على نظرائهم الأجانب، فإن إدارة بايدن تعيد بذلك إنتاج السياسات الحمائية التي طالما اشتكت منها الولايات المتحدة عندما تبنتها دول أخرى. لذلك، من الطبيعي أن ينظر حلفاء أمريكا وشركاؤها التجاريون على حد سواء إلى هذه التحركات على أنها معادية لمصالحهم الخاصة وقواعد منظمة التجارة العالمية. والمعطيات الحالية تقول إن واشنطن تخاطر بافتعال حرب تجارية جديدة.

بالطبع، يجب ضمان إمدادات بعض المنتجات بشكل معقول، مثلما يجب حجب بعضها الآخر ذي التقنيات الحساسة والأهمية العسكرية عن جغرافيا معينة، لضمان عدم وقوعها في الأيدي الخطأ. ولن يتم ذلك إلا من خلال التنسيق مع الدول الصديقة وفتح قنوات التعددية. صحيح أنه في حالة أشباه الموصلات من المستبعد جداً أن يتمكن أي بلد من تحقيق الاكتفاء الذاتي دون تكبد تكاليف باهظة، لكن في العديد من القضايا الأخرى، بما في ذلك البيئة والصحة العامة، تظل تعددية الأطراف أمراً ضرورياً لتحقيق الأهداف العالمية المشتركة.

لا تزال القواعد المتعددة الأطراف القائمة على مبدأ التجارة الحرة تمثل أفضل نهج لإدارة التدفقات الدولية لمعظم السلع. وحتى عندما تحول مخاوف الأمن القومي الحقيقية دون اتباع نهج عالمي، فإن الأحادية ليست هي الحل. وستكون السياسات التعددية في نهاية المطاف الأكثر نجاحاً والأقل تكلفة، سواء في الحفاظ على الدعم الدبلوماسي من الحلفاء أو في تعزيز الأهداف الاقتصادية للولايات المتحدة.

* كبيرة الاقتصاديين السابقة بالبنك الدولي، ونائب العضو المنتدب سابقاً في صندوق النقد، وأستاذة الأبحاث الاقتصادية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز

* بروجيكت سيندكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2bzrz85r

عن الكاتب

كبيرة الاقتصاديين السابقة بالبنك الدولي، ونائب العضو المنتدب سابقاً في صندوق النقد الدولي، وأستاذة الأبحاث الاقتصادية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"