الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت، أمس الخميس، فعاليات الدورة 32 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، واحتضن معهد الشارقة للفنون المسرحية، عرض «الجلاد» لفرقة خورفكان، تأليف: أحمد الماجد، وإخراج: إلهام محمد، واستضاف قصر الثقافة عرض «تفسير بنت ياقوت»، لفرقة مسرح دبي الوطني، تأليف وسينوغرافيا وإخراج: علي جمال.
مسرحية «الجلاد» هي من الأعمال التي قُدّمت في أوقات ومناسبات سابقة داخلياً وخارجياً برؤى إخراجية مختلفة، وذلك ما يشير إلى ثراء النص وتنوّعه، فالنص كتب عام 2002، وقدم في مسرح دبي للشباب، وكذلك في سلطنة عمان، ونال جوائز عدة، ويتناول قضية إنسانية عميقة تتحدث عن جلاد ابن جلاد، توارث تلك المهنة من أجداده وورث معها شقاء كبيراً، فهو شخصية غير محبوبة ولا يتمنى أحد التعرف إليها، وكلما اختلى بنفسه يحضر أمام ناظريه شريط من الذكريات المؤلمة، ووجوه كثيرة في لحظات الوداع الأخير لمن ماتوا على يديه في الماضي بعد أن تخلى عن تلك الوظيفة.
يعيش الجلاد في بؤس شديد يحاور ذاته ويلوم والده الذي أورثه تلك المهنة القاسية، وهو الأمر الذي أثر في حياته وعلاقته بزوجته، وهو ما أحال مستقبل الزوجين إلى ضياع حيث لا سبيل لنسيان شيء، فالزوج يخشى أن تحمل امرأته بطفل منه حتى لا يصبح هو الآخر جلاداً مكروهاً ومنبوذاً، ولئن كانت تلك الخيوط التي التقطها المخرجون الذين تصدوا لهذا النص المركب والمعقد، بحبكة تعتمد على تصاعد الأحداث، فإن إلهام محمد نجحت في إنتاج عرضها الخاص الذي حمل رؤاها وأفكارها، خاصة في ما يتعلق بصناعة دور مختلف أكثر حضوراً وتأثيراً لزوجة الجلاد من خلال الحلول الإخراجية التي وضعتها، وهو الأمر الذي يتضح بصورة حاسمة من خلال الحوارات العميقة بين الجلاد وزوجته، غير أن المخرجة لم تكتفِ بتلك النقاشات التي تحتشد بالرؤى الفكرية؛ بل ورفعت العرض من خلال الاعتماد على الأداء الجسدي والحركي، وربما أرادت المخرجة من خلال تعزيز الحضور النسائي في العمل الانتصار لقضية المرأة، وتعميق دورها في الحياة الأسرية من خلال خلق علاقة ندية، فهي ليست مجرد تابعة للرجل؛ بل لها أثرها الواضح والكبير، وربما لها كذلك فرصة في النجاة من ذلك البؤس أكثر من الزوج، وكأنها بمثابة دلالة على الأمل في حياة جديدة.
العرض احتشد بالصور الجمالية، حيث جاء الأداء التمثيلي بطريقة رائعة من قبل الممثلين عبدالله مسعود، وخديجة بكوش، وكذلك الفعل الحركي ولغة الجسد وحركة الراقصين والمجاميع على الخشبة، واستخدام السينوغرافيا بطريقة وظيفية مميزة؛ الأمر الذي نتج صورة أنيقة.
أثار العرض نقاشاً كبيراً في الندوة التطبيقية التي أعقبته، وتباينت آراء النقاد حوله مع إشادة كبيرة بالنص، وبالعديد من الرؤى الإخراجية التي قدمته سابقاً، مع تنويه بضرورة الاشتغال بصورة أكبر على الممثلين، وأهمية أن ينسجم الأداء الحركي مع مشاعر الممثلين.
ويركز العرض على الصراع الداخلي، ويحتشد بالحوارات العميقة الكاشفة عن باطن الإنسان، وذلك في شكل حكاية من الموروث المحلي، وتكمن براعة المخرج في توظيف اللهجة المحلية الإماراتية بطريقة أثرت العمل. ونجح العرض في تحقيق شروط الفرجة، وهو الأمر الذي أكده التفاعل الكبير من قبل الجمهور داخل القاعة.
عنوان العمل «تفسير بنت ياقوت»، ويستلهم عنوان «تفسير ابن سيرين»، ذلك الكتاب الذي يعود إلى مفسر الأحلام الشهير، وتلك هي الأجواء والأحداث التي صنعت تفاصيل القصة التي تتحدث عن بنت ياقوت، تلك المرأة التي كانت تقوم بتفسير الأحلام، وكانت تستقبل بصورة يومية نساء يلجئن إليها لتأويل رؤاهن وأحلامهن، وكانت بنت ياقوت تكسب رزقها من تلك المهنة، وتمارس سطوتها الاجتماعية على نساء الحي، وكذلك على أهل بيتها المكون من زوجها بخيت وبنتها عفراء وابنها مسعود.
وعلى الرغم من ذلك كانت تلك المرأة الغريبة حريصة على وحدة أسرتها وسعادتها، واستمر ذلك الأمر إلى أن استيقظ زوجها في أحد الأيام من نومه مذعوراً إثر حلم، فطلبت منه زوجته أن يحكي لها ما شاهده في نومه، وبعد إلحاح شديد قص عليها بخيت رؤيته، ففزعت بنت ياقوت؛ إذ فسرت ذلك الحلم الذي وصفته بالكابوس بأن بخيت سيتزوج عليها، وهو الأمر الذي قلب حياة الأسرة رأساً على عقب وعرّضها للتشرذم والتمزق والضياع.
العمل وجد تفاعلاً كبيراً خلال الندوة التطبيقية التي تلته، وأشاد النقاد والمشاركون بالنص وبالرؤية الإخراجية، ورصدوا جماليات كثيرة، وأشاروا إلى أن المسرح العربي بحاجة إلى الحكاية حتى يرسخ. وجرى جدل كبير حول طريقة توظيف المخرج للإضاءة، وذكروا أن العمل أشبه بالفيلم السينمائي، وهو الأمر الذي أكده المخرج علي جمال، الذي أعلن عزمه على تحويل العرض إلى عمل سينمائي.
تواصلت، أمس الخميس، فعاليات الدورة 32 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، واحتضن معهد الشارقة للفنون المسرحية، عرض «الجلاد» لفرقة خورفكان، تأليف: أحمد الماجد، وإخراج: إلهام محمد، واستضاف قصر الثقافة عرض «تفسير بنت ياقوت»، لفرقة مسرح دبي الوطني، تأليف وسينوغرافيا وإخراج: علي جمال.
مسرحية «الجلاد» هي من الأعمال التي قُدّمت في أوقات ومناسبات سابقة داخلياً وخارجياً برؤى إخراجية مختلفة، وذلك ما يشير إلى ثراء النص وتنوّعه، فالنص كتب عام 2002، وقدم في مسرح دبي للشباب، وكذلك في سلطنة عمان، ونال جوائز عدة، ويتناول قضية إنسانية عميقة تتحدث عن جلاد ابن جلاد، توارث تلك المهنة من أجداده وورث معها شقاء كبيراً، فهو شخصية غير محبوبة ولا يتمنى أحد التعرف إليها، وكلما اختلى بنفسه يحضر أمام ناظريه شريط من الذكريات المؤلمة، ووجوه كثيرة في لحظات الوداع الأخير لمن ماتوا على يديه في الماضي بعد أن تخلى عن تلك الوظيفة.
يعيش الجلاد في بؤس شديد يحاور ذاته ويلوم والده الذي أورثه تلك المهنة القاسية، وهو الأمر الذي أثر في حياته وعلاقته بزوجته، وهو ما أحال مستقبل الزوجين إلى ضياع حيث لا سبيل لنسيان شيء، فالزوج يخشى أن تحمل امرأته بطفل منه حتى لا يصبح هو الآخر جلاداً مكروهاً ومنبوذاً، ولئن كانت تلك الخيوط التي التقطها المخرجون الذين تصدوا لهذا النص المركب والمعقد، بحبكة تعتمد على تصاعد الأحداث، فإن إلهام محمد نجحت في إنتاج عرضها الخاص الذي حمل رؤاها وأفكارها، خاصة في ما يتعلق بصناعة دور مختلف أكثر حضوراً وتأثيراً لزوجة الجلاد من خلال الحلول الإخراجية التي وضعتها، وهو الأمر الذي يتضح بصورة حاسمة من خلال الحوارات العميقة بين الجلاد وزوجته، غير أن المخرجة لم تكتفِ بتلك النقاشات التي تحتشد بالرؤى الفكرية؛ بل ورفعت العرض من خلال الاعتماد على الأداء الجسدي والحركي، وربما أرادت المخرجة من خلال تعزيز الحضور النسائي في العمل الانتصار لقضية المرأة، وتعميق دورها في الحياة الأسرية من خلال خلق علاقة ندية، فهي ليست مجرد تابعة للرجل؛ بل لها أثرها الواضح والكبير، وربما لها كذلك فرصة في النجاة من ذلك البؤس أكثر من الزوج، وكأنها بمثابة دلالة على الأمل في حياة جديدة.
- أسئلة
العرض احتشد بالصور الجمالية، حيث جاء الأداء التمثيلي بطريقة رائعة من قبل الممثلين عبدالله مسعود، وخديجة بكوش، وكذلك الفعل الحركي ولغة الجسد وحركة الراقصين والمجاميع على الخشبة، واستخدام السينوغرافيا بطريقة وظيفية مميزة؛ الأمر الذي نتج صورة أنيقة.
أثار العرض نقاشاً كبيراً في الندوة التطبيقية التي أعقبته، وتباينت آراء النقاد حوله مع إشادة كبيرة بالنص، وبالعديد من الرؤى الإخراجية التي قدمته سابقاً، مع تنويه بضرورة الاشتغال بصورة أكبر على الممثلين، وأهمية أن ينسجم الأداء الحركي مع مشاعر الممثلين.
- حكاية
ويركز العرض على الصراع الداخلي، ويحتشد بالحوارات العميقة الكاشفة عن باطن الإنسان، وذلك في شكل حكاية من الموروث المحلي، وتكمن براعة المخرج في توظيف اللهجة المحلية الإماراتية بطريقة أثرت العمل. ونجح العرض في تحقيق شروط الفرجة، وهو الأمر الذي أكده التفاعل الكبير من قبل الجمهور داخل القاعة.
عنوان العمل «تفسير بنت ياقوت»، ويستلهم عنوان «تفسير ابن سيرين»، ذلك الكتاب الذي يعود إلى مفسر الأحلام الشهير، وتلك هي الأجواء والأحداث التي صنعت تفاصيل القصة التي تتحدث عن بنت ياقوت، تلك المرأة التي كانت تقوم بتفسير الأحلام، وكانت تستقبل بصورة يومية نساء يلجئن إليها لتأويل رؤاهن وأحلامهن، وكانت بنت ياقوت تكسب رزقها من تلك المهنة، وتمارس سطوتها الاجتماعية على نساء الحي، وكذلك على أهل بيتها المكون من زوجها بخيت وبنتها عفراء وابنها مسعود.
وعلى الرغم من ذلك كانت تلك المرأة الغريبة حريصة على وحدة أسرتها وسعادتها، واستمر ذلك الأمر إلى أن استيقظ زوجها في أحد الأيام من نومه مذعوراً إثر حلم، فطلبت منه زوجته أن يحكي لها ما شاهده في نومه، وبعد إلحاح شديد قص عليها بخيت رؤيته، ففزعت بنت ياقوت؛ إذ فسرت ذلك الحلم الذي وصفته بالكابوس بأن بخيت سيتزوج عليها، وهو الأمر الذي قلب حياة الأسرة رأساً على عقب وعرّضها للتشرذم والتمزق والضياع.
- رؤى إخراجية
العمل وجد تفاعلاً كبيراً خلال الندوة التطبيقية التي تلته، وأشاد النقاد والمشاركون بالنص وبالرؤية الإخراجية، ورصدوا جماليات كثيرة، وأشاروا إلى أن المسرح العربي بحاجة إلى الحكاية حتى يرسخ. وجرى جدل كبير حول طريقة توظيف المخرج للإضاءة، وذكروا أن العمل أشبه بالفيلم السينمائي، وهو الأمر الذي أكده المخرج علي جمال، الذي أعلن عزمه على تحويل العرض إلى عمل سينمائي.