عادي
الحكاية قلب عرضي «أيام الشارقة المسرحية»

«الجلاد».. الأمل يكمن في تجاوز عثرات الماضي

17:40 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض «تفسير بنت ياقوت»
مشهد من عرض «الجلاد»
الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت، أمس الخميس، فعاليات الدورة 32 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، واحتضن معهد الشارقة للفنون المسرحية، عرض «الجلاد» لفرقة خورفكان، تأليف: أحمد الماجد، وإخراج: إلهام محمد، واستضاف قصر الثقافة عرض «تفسير بنت ياقوت»، لفرقة مسرح دبي الوطني، تأليف وسينوغرافيا وإخراج: علي جمال.
مسرحية «الجلاد» هي من الأعمال التي قُدّمت في أوقات ومناسبات سابقة داخلياً وخارجياً برؤى إخراجية مختلفة، وذلك ما يشير إلى ثراء النص وتنوّعه، فالنص كتب عام 2002، وقدم في مسرح دبي للشباب، وكذلك في سلطنة عمان، ونال جوائز عدة، ويتناول قضية إنسانية عميقة تتحدث عن جلاد ابن جلاد، توارث تلك المهنة من أجداده وورث معها شقاء كبيراً، فهو شخصية غير محبوبة ولا يتمنى أحد التعرف إليها، وكلما اختلى بنفسه يحضر أمام ناظريه شريط من الذكريات المؤلمة، ووجوه كثيرة في لحظات الوداع الأخير لمن ماتوا على يديه في الماضي بعد أن تخلى عن تلك الوظيفة.
يعيش الجلاد في بؤس شديد يحاور ذاته ويلوم والده الذي أورثه تلك المهنة القاسية، وهو الأمر الذي أثر في حياته وعلاقته بزوجته، وهو ما أحال مستقبل الزوجين إلى ضياع حيث لا سبيل لنسيان شيء، فالزوج يخشى أن تحمل امرأته بطفل منه حتى لا يصبح هو الآخر جلاداً مكروهاً ومنبوذاً، ولئن كانت تلك الخيوط التي التقطها المخرجون الذين تصدوا لهذا النص المركب والمعقد، بحبكة تعتمد على تصاعد الأحداث، فإن إلهام محمد نجحت في إنتاج عرضها الخاص الذي حمل رؤاها وأفكارها، خاصة في ما يتعلق بصناعة دور مختلف أكثر حضوراً وتأثيراً لزوجة الجلاد من خلال الحلول الإخراجية التي وضعتها، وهو الأمر الذي يتضح بصورة حاسمة من خلال الحوارات العميقة بين الجلاد وزوجته، غير أن المخرجة لم تكتفِ بتلك النقاشات التي تحتشد بالرؤى الفكرية؛ بل ورفعت العرض من خلال الاعتماد على الأداء الجسدي والحركي، وربما أرادت المخرجة من خلال تعزيز الحضور النسائي في العمل الانتصار لقضية المرأة، وتعميق دورها في الحياة الأسرية من خلال خلق علاقة ندية، فهي ليست مجرد تابعة للرجل؛ بل لها أثرها الواضح والكبير، وربما لها كذلك فرصة في النجاة من ذلك البؤس أكثر من الزوج، وكأنها بمثابة دلالة على الأمل في حياة جديدة.
  • أسئلة
أثار العرض الكثير من الأسئلة والأفكار المتعلقة بالجلاد، في محاولة لتقديمه من وجهة نظر مختلفة، غير الصورة النمطية التي رسخت في أذهان الناس على مر العصور والأزمان والأمكنة، فدائماً ما يقدّم الجلاد على أنه هو ذلك الشخص القاسي. وحاول العمل أن يقلب تلك المعادلة من خلال سؤال: من يكون الجلاد؟ وهل هو ذلك الشخص الصعب والقاسي؟ أم إنه ذلك الرجل الذي يقوم بدور وظيفي مثل أي شخص آخر؟ ووفقاً لتلك الرؤى والمفاهيم، فإن العرض قد نجح في رسم صورة مختلفة عن شخصية الجلاد، فها هو في هذا العرض الباذخ يبكي ويشكي ويندم، ويتقلب على جمر الألم، ما يشير إلى أن ذلك الرجل إنسان صاحب قلب عامر بالمشاعر والأحاسيس، ويؤدي واجبه ودوره المهني، على الرغم من نظرة الناس له.
العرض احتشد بالصور الجمالية، حيث جاء الأداء التمثيلي بطريقة رائعة من قبل الممثلين عبدالله مسعود، وخديجة بكوش، وكذلك الفعل الحركي ولغة الجسد وحركة الراقصين والمجاميع على الخشبة، واستخدام السينوغرافيا بطريقة وظيفية مميزة؛ الأمر الذي نتج صورة أنيقة.
أثار العرض نقاشاً كبيراً في الندوة التطبيقية التي أعقبته، وتباينت آراء النقاد حوله مع إشادة كبيرة بالنص، وبالعديد من الرؤى الإخراجية التي قدمته سابقاً، مع تنويه بضرورة الاشتغال بصورة أكبر على الممثلين، وأهمية أن ينسجم الأداء الحركي مع مشاعر الممثلين.
  • حكاية
العرض الثاني «تفسير بنت ياقوت» ويستند إلى حكاية بطابع شعبي، ويغوص في قضايا اجتماعية، حيث تحضر العادات والتقاليد والقيم المجتمعية المتوارثة التي تشكّل سلطة تتحكم في الجميع، وتؤثر في الخيارات والاتجاهات، فلا يستطيع المرء التمرّد عليها. ويبرز العمل العديد من المفاهيم الأخرى في أفقها الإنساني العام، فهو يتحدث عن الإنسان وتمسكه بالمبادئ والقيم الرفيعة في وجه المتغيرات، ويتناول الاختبارات التي يتعرض لها المرء، وما هو مصير المبادئ التي يؤمن بها عند مواجهة التحولات، هل يتركها أم يظل قابضاً على جمرتها؟
ويركز العرض على الصراع الداخلي، ويحتشد بالحوارات العميقة الكاشفة عن باطن الإنسان، وذلك في شكل حكاية من الموروث المحلي، وتكمن براعة المخرج في توظيف اللهجة المحلية الإماراتية بطريقة أثرت العمل. ونجح العرض في تحقيق شروط الفرجة، وهو الأمر الذي أكده التفاعل الكبير من قبل الجمهور داخل القاعة.
عنوان العمل «تفسير بنت ياقوت»، ويستلهم عنوان «تفسير ابن سيرين»، ذلك الكتاب الذي يعود إلى مفسر الأحلام الشهير، وتلك هي الأجواء والأحداث التي صنعت تفاصيل القصة التي تتحدث عن بنت ياقوت، تلك المرأة التي كانت تقوم بتفسير الأحلام، وكانت تستقبل بصورة يومية نساء يلجئن إليها لتأويل رؤاهن وأحلامهن، وكانت بنت ياقوت تكسب رزقها من تلك المهنة، وتمارس سطوتها الاجتماعية على نساء الحي، وكذلك على أهل بيتها المكون من زوجها بخيت وبنتها عفراء وابنها مسعود.
وعلى الرغم من ذلك كانت تلك المرأة الغريبة حريصة على وحدة أسرتها وسعادتها، واستمر ذلك الأمر إلى أن استيقظ زوجها في أحد الأيام من نومه مذعوراً إثر حلم، فطلبت منه زوجته أن يحكي لها ما شاهده في نومه، وبعد إلحاح شديد قص عليها بخيت رؤيته، ففزعت بنت ياقوت؛ إذ فسرت ذلك الحلم الذي وصفته بالكابوس بأن بخيت سيتزوج عليها، وهو الأمر الذي قلب حياة الأسرة رأساً على عقب وعرّضها للتشرذم والتمزق والضياع.
  • رؤى إخراجية
مخرج العرض استعان بعدد من الحلول الإخراجية المبتكرة، خاصة في ما يتعلق بالإضاءة التي وظفت بطريقة مختلفة، حيث كانت عبارة عن فوانيس محمولة بواسطة الممثلين أنفسهم أثناء حركتهم، وكذلك جاء استخدام السينوغرافيا بصورة رائعة، مع توظيف للغة الجسد لتفسير الحالات المختلفة، وكذلك الموسيقى والغناء، مع توظيف الكوميديا الهادفة. وتميز الأداء التمثيلي بالتناغم والانسجام بين الممثلين لتبرز الممثلة بدور بصورة أكثر خصوصية، والتي قدّمت أداء جيداً تفاعل معه الحضور كثيراً، وتمثل قمة ذلك الأداء في مشهد الختام.
العمل وجد تفاعلاً كبيراً خلال الندوة التطبيقية التي تلته، وأشاد النقاد والمشاركون بالنص وبالرؤية الإخراجية، ورصدوا جماليات كثيرة، وأشاروا إلى أن المسرح العربي بحاجة إلى الحكاية حتى يرسخ. وجرى جدل كبير حول طريقة توظيف المخرج للإضاءة، وذكروا أن العمل أشبه بالفيلم السينمائي، وهو الأمر الذي أكده المخرج علي جمال، الذي أعلن عزمه على تحويل العرض إلى عمل سينمائي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43xhsb99

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"