عادي

باخموت.. جردة حساب «الاستنزاف»

00:29 صباحا
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

ربما يكون لدى الرئيس الصيني، شي جيبينغ، الذي سيزور موسكو قريباً، ما ليس لدى غيره من معلومات شجعته على التحرك لجس نبض الأطراف المتحاربة في أوكرانيا، فيما يخص خطة السلام الصينية، وسط أنباء عن لقاء يجمعه عبر الفيديو مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بعد زيارة روسيا ولقاء الرئيس بوتين.

ما يعرفه العالم حتى الآن، أن هذه الحرب التي لا تلوح في الأفق نهاية لها، قد طال أمدها وتجاوزت فواتيرها كل الحسابات الأولية، وتسببت في نزف اقتصادي هائل، تكاد لا تنجو منه أغلبية دول العالم، فقيرها وغنيّها.

ويتفق المراقبون على أن التقدم في أرض المعركة لأي من طرفي القتال في أوكرانيا أصبح باهظ التكاليف، سواء من حيث خسارة العناصر العسكرية المدربة والكفؤة، أو العتاد العسكري، الخفيف والثقيل، حتى أن الكثير من منافذ التخطيط الاستراتيجي العسكري والسياسي لمرحلة ما بعد «باخموت» قد سُدت.

فقد استنفدت روسيا وأوكرانيا في المعارك الشتوية الكثير من قواتهما نتيجة الخسائر الفادحة على الجبهات، بينما لم يتحقق سوى القليل من التغييرات المهمة في خط المواجهة. ويستعد كل طرف لموجة جديدة من معارك الربيع على أمل أن يغير مسار الحرب.

استعداد ومسار جديد

ومع جفاف الأرض الموحلة، سوف تصبح الطرق غير المعبّدة عبر الحقول، سالكة مرة أخرى، في الأسابيع المقبلة، أولاً في جنوب أوكرانيا، ثم في الشرق، ما يمكن جيشي البلدين من محاولة اختراق الوحدات الميكانيكية المتنقلة للجيش المعادي.

وبعد أشهر من الدفاع عن مدينة باخموت، يدرب الجيش الأوكراني عشرات الآلاف من القوات الجديدة في المعسكرات التي تديرها الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيون في الخارج، لتشكيل ثلاثة فيالق عسكرية جديدة من المتوقع أن تشارك في هجمات الربيع.

وتتلقى كييف أيضاً سيلاً لا ينقطع من الأسلحة الثقيلة غربية الصنع، بما في ذلك دبابات «ليوبارد 2»، ومركبات «برادلي»، و«سترايكر» القتالية، ومدافع ذاتية الدفع من طراز «بالادين» و«آرتشر»، لترميم المعدات التي فقدتها على مدار عام شهد أعنف قتال في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وهذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها أوكرانيا مثل هذه الدبابات الغربية، وعربات المشاة القتالية في ساحة المعركة.

وقال ميخايلو بودولاك، مستشار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي: «إن الهجوم مسألة وقت، ربما شهر ونصف الشهر، أو شهران، نحن نعيد تجميع قواتنا في محاولة للحفاظ على عنصر المفاجأة». وقد رفض هو، ومسؤولون أوكرانيون آخرون، تحديد المكان الذي تهاجم أوكرانيا فيه على طول خط المواجهة النشط الذي يبلغ 530 ميلاً.

معركة باخموت

وفي الوقت نفسه، حشدت روسيا أيضاً قواتها في محاولة لزعزعة الدفاعات الأوكرانية عبر منطقة دونيتسك الشرقية، حيث تقع باخموت. وقد حققت مكاسب بطيئة في دونيتسك، بينما تكبدت خسائر فادحة خلال فصل الشتاء.

وتشعر أوكرانيا بضغط متزايد لتحقيق نتائج في ساحة المعركة، حيث تستعد روسيا لحرب طويلة، ويراهن الرئيس فلاديمير بوتين، على أن الاستعداد الغربي لتقديم الدعم العسكري والمالي إلى كييف لن يستمر.

وبينما يسعى القادة الأوكرانيون إلى طرد روسيا بالقوة من جميع الأراضي التي تحتلها، فإنهم يدركون أيضاً أن نجاح - أو فشل - الهجوم القادم سيحدد موقف كييف في أي مفاوضات قد يفرضها شركاء أوكرانيا الغربيون في نهاية المطاف.

ويرى المسؤولون الأوكرانيون أن الهزيمة العسكرية الروسية هي الضمان الوحيد لبقاء بلادهم، متخوفين من التعهدات الغربية التي لا ترقى إلى العضوية الكاملة في منظمة حلف شمال الأطلسي.

وتدخل القوات المسلحة، الأوكرانية والروسية، حملة الربيع بعد أن فقدت جزءاً كبيراً من جنودها المحترفين خلال العام الماضي. وفي حين لم تنشر أي من الدولتين إحصاءات رسمية، فإن الخسائر الإجمالية في الجرحى والقتلى تبلغ مئات الآلاف. ونتيجة لذلك، يعتمد الجيشان الآن بشكل متزايد على مجندين ذوي مهارات محدودة.

وبهدف تحقيق الاستقرار في خط المواجهة، حشدت القوات المسلحة النظامية الروسية نحو 300 ألف من جنود الاحتياط، في الخريف الماضي، في حين جندت منظمة فاغنر شبه العسكرية التي تقاتل في الأغلب في باخموت نحو 50 ألفاً.

ومع ذلك، فإن جزءاً كبيراً من هذه القوات الروسية الجديدة قد قُتل، أو أصيب بالفعل، هذا الشتاء، لا سيما في باخموت، حيث انخرطت قوات فاغنر في حرب مدن شرسة.

أحد الاختلافات الرئيسية بين معارك العام الماضي، والقتال اليوم، هو أن آلة الحرب بدأت تعاني نقصاً. ويقدّر المحللون أن روسيا تطلق نحو 10 آلاف قذيفة في اليوم، مقارنة مع 20 ألفاً في الصيف، بينما تكافح موسكو أيضاً لتعويض الخسائر الفادحة في الدبابات ومدافع الهاوتزر، والأسلحة الثقيلة الأخرى.

ويلقي تحدي باخموت بثقله على آمال أوكرانيا في استعادة الأراضي المحتلة قريباً. ويخشى العديد من الضباط والمحللين الأوكرانيين - والغربيين - من أن تصميم زيلينسكي على الاستمرار في القتال من أجل باخموت، على الرغم من الخسائر والمخاطر المتزايدة للاقتحامات، يصرف انتباه أوكرانيا عن الجائزة الأكبر، مثل طرد روسيا من ساحل آزوف والبحر الأسود.

والمشكلة هي أن الالتزام بتوفير القوات المطلوبة للسيطرة على باخموت قد يؤدي إلى استنزاف القوات التي سيتم استخدامها في هجوم الربيع الاستراتيجي الحرج في أوكرانيا. وبعد أن استولت قوات فاغنر على أجزاء من باخموت، فإن عدد الضحايا أخل بتوازن القوات الأوكرانية.

ولا تزال روسيا مصرة على السيطرة الكاملة على مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، والتي أعلنت أنها أراض روسية.

فهل تشكل هذه المعطيات خلفية إيجابية في دفع المتحاربين للتفكير في القبول بوقف إطلاق النار في المرحلة الحالية، والسماح لجهود الوساطة الدولية بالبدء بإطلاق مفاوضات التسوية الدبلوماسية؟ ربما تكشف زيارة شي جيبنغ عن ملامح المرحلة التالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p82b6fc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"