تركيا: ملف «سوريا ومصر» مؤجل

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نور الدين

انهارت المحادثات التركية السورية برعاية روسية (وإيرانية)، عندما أُلغي اجتماع كان مقرراً، أو شاع أنه سيحصل في 15 و16 من مارس/آذار الجاري في موسكو.

وفي الوقت نفسه كان وزيرا خارجية مصر وتركيا يرحّلان إمكانية لقاء الرئيسين رجب طيب أردوغان وعبدالفتاح السيسي إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية في 14 من أيار/مايو المقبل، هذا في حال فوز أردوغان بها.

من الواضح أن ملفي سوريا ومصر بالنسبة لتركيا، مختلفين عن أمثالهما: ملفات العلاقات مع الإمارات والسعودية وحتى إسرائيل.

والفارق هو في الدافع الذي كان يحدو تركيا لبدء مصالحات مع دول ونجاحها، وتعثر مفاوضاتها مع سوريا ومصر.

لقد باشرت تركيا أولى محاولات المصالحة مع مصر تحديداً في ربيع 2021، والتقى المسؤولون الأمنيون ووزراء الخارجية فيهما مرة في القاهرة ومرة في أنقرة. وبين هذه اللقاءات برزت المصافحة بين الرئيس المصري والتركي في افتتاح مونديال الكرة في قطر في الخريف الماضي. ومن ثم جاء زلزال 6 من شباط/فبراير في تركيا لتمد مصر يد العون، ويذهب وزير خارجيتها سامح شكري إلى مناطق الزلزال معزياً. وتلت ذلك قبل أسبوع، زيارة لوزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو إلى القاهرة. وبعيداً عن التصريحات البروتوكولية كان بيت القصيد، الاتفاق على مواصلة المحادثات ولقاء الرئيسين بعد الانتخابات الرئاسية التركية؛ أي بكلام واضح: كل شيء معلق على نتائج الانتخابات الرئاسية، ولا معنى لأي تفاهمات قبلها.

لماذا تنجح المفاوضات بين تركيا والإمارات والسعودية وإسرائيل ولا تنجح مع مصر وسوريا؟.

هذا سؤال  في تقديري  مركزي. والجواب عنه مرتبط بملف العلاقات مع مصر وسوريا، وهو ملف جدي يتصل بعدد كبير من الملفات الشائكة، بخلاف ما عليه الوضع مع الإمارات والسعودية، وإلى حد ما إسرائيل. والملفات مع مصر تتصل بالصراع في شرق المتوسط حول الطاقة، والوضع المعقد جداً في ليبيا.

أما سوريا التي بقيت إلى آخر القائمة في سعي تركيا للمصالحة، فهي الملف الذي يشكّل حجر الرحى في سياسة تركيا الخارجية، وتأثيراته الكبيرة في الأمن القومي التركي، وهو ملف يشمل الأمن الحدودي على امتداد 913 كيلومتراً، واللاجئين السوريين في تركيا، والاحتلال التركي لشمال غربي سوريا، ورعاية تركيا لعشرات آلاف المسلحين في إدلب ومناطق وجودها، والذين تعتبرهم دمشق إرهابيين. كذلك، هناك ملف وجود قوات وحدات الشعب الكردية شرقي الفرات، والتي تحظى بحماية ودعم الأمريكيين الذين يوجدون عسكرياً شرقي الفرات ومنطقة التنف على الأراضي السورية قرب الحدود الأردنية.

وعلى الرغم من الأهمية البالغة لملف سوريا، فإن تركيا لم تعره أولوية في سلسلة المصالحات. وجاء دوره في مطلع آب/أغسطس الماضي، ولم يحصل أي تواصل بين الطرفين سوى في نهاية العام الماضي قبل ثلاثة أشهر، عندما التقى وزيرا دفاع تركيا وسوريا في موسكو، بحضور وزير الدفاع الروسي.

وبعد ذلك لم يحصل أي اجتماع آخر لهم ولا على مستوى وزراء الخارجية، وبالتالي فإن الحديث عن لقاء محتمل على مستوى الرؤساء بين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، ذهب مع الريح، وبات ينتظر مثل لقاء أردوغان والسيسي إلى ما بعد انتخابات الرئاسة التركية. 

وتأكد ذلك مع استعداد الرئيس السوري خلال زيارته إلى موسكو، وقبل انتقاله إلى الإمارات، للقاء أردوغان فقط في حال انسحاب الجيش التركي من سوريا وضرب الجماعات الإرهابية.

إن فشل أو تعثر مسار المصالحة التركية مع مصر وسوريا، يؤكد أن على تركيا استحداث استدارة جدية اكثر في سياساتها الخارجية؛ كما يؤكد أنه عندما يتعلق الأمر بمصالح حيوية لحزب العدالة والتنمية، وتطلعاته للهيمنه على شرق المتوسط وليبيا أو سوريا والعراق، فإن أنقرة تتشدد. ولذلك فإن انتظار ما ستحمله نتائج الانتخابات الرئاسية التركية، سيكون الأمر الوحيد المتاح خلال الشهرين المقبلين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msu9ya7x

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"