عادي

التفكير الأوروبي الآسيوي مشترك الأصل

«أورسيل» جمع بين الفلسفة وفقه اللغة

01:54 صباحا
الصورة
14

القاهرة - «الخليج»

أصدرت دار أقلام عربية للنشر والتوزيع كتاب «الفلسفة في الشرق» لبول أورسيل، بترجمة محمد يوسف موسى، وهو كتاب لا يدعو إلى الفصل بين الحضارات، التي أخذت مصدرها المشترك من آسيا العريقة في القِدم، وقد نشأت عن تلك الحضارات تيارات متباينة سواء في الغرب أو في الشرق، لكنها رغم ذلك احتفظت بشيء من أصلها، وكلما تقدمت بحوث العلماء الذين اختصوا بالدراسات الهندية والصينية، كثرت الكشوف التي تزيد يوماً بعد يوم في معارفنا عن آسيا الذاهبة في أغوار التاريخ.

وكما يوضح المؤلف فإن أهم العقبات التي وقفت في هذا السبيل أن النظم التاريخية التي تعرضت لها هذه الميادين الغريبة عن فقهنا اللغوي القديم لم تكن لتستطيع أن تصل إلى درجة من الخصب يطمأن إليها وتؤتي ثمارها، ما لم يقترن بها تخصص في طبيعة الأسانيد المكتشفة وبخاصة لغاتها، فتقسيمات تلك النظم التاريخية وإن كانت من الطرق التي تجعل البحث سهلاً، فإنها لا تتفق وتسلسل الوقائع تسلسلاً حقيقياً؛ بل ربما حال هذا دون فهمها حتى بالنسبة للعقول الناضجة الكبيرة، ويضاف إلى ذلك أنه إذا كان ينقص الفلاسفة الإعداد اللازم ليأخذوا بنصيب في هذا العمل، ففقهاء اللغة كذلك لا يميلون إلى تاريخ الآراء والتفكير الفلسفي؛ بل ينشغلون أكثر بفحص الطقوس والتقاليد الاجتماعية، ليتسنى لهم تحديد أصول الكلمات.

يشير الكتاب إلى أن هذه الصعاب ذللت بفضل «أورسيل» وأمثاله فقد جمع بين الفلسفة وفقه اللغة، وتتبع تاريخ التفكير الآسيوي كله.

يكفي للدلالة على ذلك بعض الوقائع الساطعة الثابتة، مثل تفجر الروح الرشيقة عند الفلاسفة السابقين لسقراط وعند أفلاطون نفسه، والأصل السامي لجمهرة الفلاسفة الرواقيين والجو الديني الذي نمت فيه الأفلاطونية الحديثة وغزو المذهب المانوي، يكون من السذاجة الظن بأن كل هذا مرجعه إلى تقدم العبقرية اليونانية تقدماً منطقياً حتمياً، ومن البدهي أن «أورسيل» لا يعتقد أنه من السهل أن تعثر على أصل هذا اللحن، لكن من الممكن أن تقترب من هذا الأصل فتدرك الأحوال المشتركة للفكر الأوروبي الآسيوي، وتفهم كيف قامت هذه الحركات الفكرية الكبيرة التي اتسع نطاقها فجابت العالم من أحد طرفيه للآخر.

مؤرخون

يشير الكتاب إلى أن الأسانيد التي يستخدمها المستشرقون لا يمكن أن تقارن من حيث طبيعتها بالأسانيد التي يستخدمها مؤرخو الفلسفة الغربية؛ بل هي أدنى من تلك التي يستعملها علماء الأجناس البشرية ومؤرخو الديانات والفنون، ويمكن أن نذكر من بين تلك الأسانيد الطقوس الدينية ومراسم الاحتفالات والأساطير والاختراعات الفنية إلى غير ذلك من العناصر التي تستطيع أن ترشدنا إلى تفكير الأقدمين من شعوب بين النهرين ومصر وإيران وإلى ما يسميه «أورسيل» فلسفات هذه الحضارات المركزة.