مخططات تسعير الكربون

21:57 مساء
قراءة 4 دقائق

جياتي غوش*

كثر الحديث خلال السنوات الماضية عن «تسعير الكربون»، على الأقل في العالم المتقدم. ولكن، بينما يتبنى القادة والخبراء العالميون، ومعظمهم من البلدان الغنية، بشكل متزايد فكرة وضع «السعر المناسب» للكربون، يظل المفهوم غامضاً، وغير مُعرّف، إلى حد كبير. والأسوأ من ذلك، أن قبول وجود الغاز السام المتزايد وميله إلى الحمائية قد يكون له تأثير ضار يتمثل في إعاقة الجهود المبذولة لإزالته من الاقتصاد العالمي.

تبدو فكرة تسعير الكربون غير قابلة للمساومة إلى حد كبير، فتحقيق حتى أقل الأهداف المناخية طموحاً يتطلب إزالة الكربون من الاقتصادات المتقدمة والنامية، على حد سواء. وأي تغيير للأسعار النسبية للأنشطة كثيفة الكربون من شأنه أن يشجع المستثمرين على تمويل مصادر الطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي اللازم لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

وبما أن الوقود الأحفوري يمثل معظم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، تبدو الهيدروكربونات مكاناً جيداً للبدء. ولكن كيف؟ هل يجب على صانعي السياسة النظر في السعر النسبي للوقود الأحفوري مثلاً؟ أم في الإنتاج القائم على استهلاكه؟

يعتمد المخططان الأكثر شيوعاً لتسعير الكربون، وهما: «الحد الأقصى والاتجار في الانبعاثات» و«ضرائب الكربون»، على مدى كثافة الإنتاج. وقد تم تصميم نظام الاتجار للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن طريق تقسيم المبلغ الإجمالي المستهدف إلى مخصصات يمكن تداولها بين الباعثين بأشكالها، الكثيف والمنخفض. وبينما من المفترض أن يحدد هذا الأمر سعر السوق لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، إلا أنه لا يأخذ في الاعتبار العوامل الخارجية، الاجتماعية والبيئية السلبية. وعلى النقيض من ذلك، فإن «ضريبة الكربون» تحدد سعراً للكربون من خلال فرض ضرائب على الأنشطة ذات الانبعاثات عالية الكثافة.

لكن هذين النموذجين يعكسان وجهة نظر ضيقة للغاية (وربما مشوهة) لكيفية تسعير الكربون في النظام الاقتصادي. وفي عام 2017، قدم تقرير عن أسعار الكربون تحليلاً أكثر دقة بكثير. وإضافة إلى مخططات الاتجار وضرائب الكربون، أوصى التقرير بخفض أو إلغاء دعم الوقود الأحفوري وإنشاء حوافز مالية جديدة للمشاريع منخفضة الكربون؛ وتعويض التأثير التوزيعي السلبي لتسعير الكربون عن طريق استخدام العائدات لتمويل السياسات لحماية الفقراء والفئات الضعيفة من السكان؛ فضلاً عن طرح سياسات تكميلية واسعة، مثل الاستثمار في النقل العام والطاقة المتجددة. وأشار التقرير إلى أهمية أن تكون البلدان قادرة على اختيار الأدوات التي تناسب ظروفها ومواردها واحتياجاتها الخاصة.

ووسط الحماس المتزايد لتسعير الكربون وإجراءات تعديل الحدود، تجاهل صانعو السياسات والخبراء هذه النقاط إلى حد كبير. وتُعد «آلية تعديل حدود الكربون» التابعة للاتحاد الأوروبي مثالاً على ذلك. وعندما تدخل حيز التنفيذ في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ستفرض الآلية ضريبة على الواردات كثيفة الكربون من أجل وضع سعر عادل على الانبعاثات أثناء إنتاج السلع كثيفة الكربون التي تدخل الاتحاد الأوروبي، وتشجيع الإنتاج الصناعي الأنظف خارجه.

ومن المنتظر أن يتم تطبيق «آلية تعديل حدود الكربون» مبدئياً على واردات الأسمنت والحديد والصلب والألمنيوم والأسمدة والكهرباء والهيدروجين. في البداية، سيتعين على الشركات الإبلاغ عن الانبعاثات (المباشرة وغير المباشرة)، المضمّنة في السلع التي تستوردها. ولكن ابتداء من عام 2026، سيفرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على هذه الانبعاثات بناء على متوسط سعر المزاد الأسبوعي لعلاوات الحد الأقصى والاتجار.

والغرض المعلن من هذا الإجراء هو القضاء على ما يسمى «تسرب الكربون»، والتأكد من أن جهود الاتحاد الأوروبي المناخية لا تضيع عند انتقال الإنتاج إلى البلدان ذات معايير الانبعاثات المنخفضة، كما أنه سيحمي الشركات الأوروبية بشكل فعال من المنافسين داخل هذه البلدان.

وتفتقر معظم البلدان النامية (والعديد من البلدان المتقدمة) إلى بيانات دقيقة عن الانبعاثات الخاصة بالشركات، فضلاً عن القدرة على تتبع انبعاثات جميع المدخلات المستخدمة. وحتى لو توفرت هذه البيانات، فإن تكاليف جمعها وتحليلها بمرور الوقت ستكون هائلة. وكما ذكر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في عام 2021، تحاول «آلية تعديل حدود الكربون» أن تفرض على البلدان النامية المعايير البيئية التي تختارها البلدان المتقدمة.

وفي هذا الصدد، يريد الاتحاد الأوروبي أن يُنظر إليه على أنه رائد عالمي في مجال تغير المناخ، ولكن من الصعب رؤية «آلية تعديل حدود الكربون» على أنها أي شيء سوى أداة حمائية. وبينما تزعم الآلية تشجيع البلدان خارج الكتلة على تقليل الانبعاثات من خلال فرض ضرائب الكربون الخاصة بها، لم يفعل الاتحاد الأوروبي شيئاً لمساعدة البلدان المصدرة على جذب استثمارات خضراء، أو الوصول إلى تقنيات جديدة.

وفي الواقع، لطالما تراجع الاتحاد الأوروبي عن وعوده بشأن تمويل المناخ والالتزامات التي قطعها القادة الأوروبيون كجزء من اتفاقية ريو لعام 1992، التي تُقيد الوصول إلى التقنيات الخضراء التي تسيطر عليها الشركات الموجودة داخل الكتلة.

ولكي ينجح تسعير الكربون، يجب على البلدان المتقدمة إثبات التزامها بالازدهار المشترك، من خلال تمكين تبادل المعرفة وتعزيز التمويل المناخي العادل. وإذا استمرت في التركيز على الضرائب الحدودية على السلع المنتجة في البلدان النامية، فإن جهودها لتسعير الكربون ستفشل. والأسوأ من ذلك أنها ستؤدي إلى تفاقم اللامساواة العالمية، وتعزز التصور القائل بأن كل خطابهم النبيل حول الحاجة إلى تعاون دولي لمكافحة تغير المناخ هو مجرد غطاء لسياسات ساخرة تخدم مصالح ذاتية.

*أستاذة الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس، وعضوة المجلس الاستشاري للأمين العام للأمم المتحدة بشأن التعددية الفعالة (بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckhka8b

عن الكاتب

أستاذة الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس، وعضوة المجلس الاستشاري للأمين العام للأمم المتحدة بشأن التعددية الفعالة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"