ديوان «غوته» الشرقي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

تقول سيرة يوهان غوته (1749-1832) إنه قرأ القرآن الكريم وترجم بعض الآيات من سورة الأنعام إلى الألمانية. وربما كان اهتمام غوته بالإسلام والدين الإسلامي والشعر العربي قد جرى عملياً وهو في الأربعين من عمره، وسيرته تقول أيضاً إنه تأثر بالمعلّقات وبأبي تمام، وقرأ للكثير من شعراء ديوان العرب الكبار، ليصل ببصيرته الشعرية إلى ما سماه «الديوان الشرقي» الذي تظهر فيه لغة غوته التصوّفية، كما يظهر في ديوانه ذاك إعجابه وتأثره بحافظ الشيرازي.
في العام 1997 صدرت الطبعة الأولى من الديوان الشرقي لغوته في القاهرة عن دار «أبوللو» للنشر، وفي العام 2009 صدرت الطبعة الثانية من الديوان الشرقي في القاهرة أيضاً عن الهيئة المصرية العامّة للكتاب.
نقل الديوان الشرقي إلى العربية عن الألمانية مباشرة د. عبد الغفار مكاوي، ووضع له مقدّمة وافية تضيء على رؤية غوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي. وتأتي أهمية هذه الترجمة كونها أولاً من الألمانية إلى العربية مباشرة بلا لغة وسيطة، وثانياً، شخصية المترجم نفسه د. مكاوي المثقف والباحث والمهتم بفلسفات الشرق والثقافة الألمانية ورموزها المؤثرين في حضارات وثقافات العالم.
في «الديوان الشرقي» نقرأ شاعراً ألمانياً محاطاً من رأسه إلى قدميه بنور الإسلام ونور القرآن الذي يجد فيه كما يقول: «الطمأنينة الخالدة». يقول غوته «عندما كان المسلمون يستشهدون بالقرآن الكريم/كانوا يذكرون السورة والآية/ وكان كل مسلم بما ينبغي عليه من توقير/ يشعر بالإجلال والطمأنينة في أعماق الضمير/لكن الدراويش المحدثين لا يفضلونهم في شيء/ فهم يثرثرون عن القديم/ فضلاً عن الجديد/ وفي كل يوم يزداد التشويش والاضطراب الشديد/ أيها القرآن الكريم/أيتها الطمأنينة الخالدة».
تأثر غوته بـ«نهج البلاغة» للإمام علي بن أبي طالب، وذلك واضح تماماً في الديوان الشرقي. يقول: «مَنْ لَزِمَ الصمت قَلّتْ همومه.. يبقى المرءُ مخبوءاً تحت لسانه». تأثر أيضاً غوته بأخلاقيات الإسلام وسلوكياته الاجتماعية اليومية: «إن أوّلَ تحية تعدل آلاف التحيات/فأحْسِنْ ردّ التحية لكل مَنْ حيّاك».
في ديوان غوته تتصفّى كينونة شاعر غربي بروحانية شرقية، تحديداً إسلامية، من دون ظلال «دَرْوَشة» أو إعجاب استشراقي، إن جازت العبارة، أو فضول شعري لاستكشاف عبقرية دين أو عبقرية نبيّ. كل ذلك لا يرد في الديوان الشرقي. فقط ثمة شاعر يتطهّر بالنور، ويبحث عن الشعر الخالص الصّافي النقيّ، فيجده في ما سمّاه الديوان الشرقي تماهياً تماماً مع نقاء ديوان العرب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxj2rv9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"