التهافت على البنوك

22:26 مساء
قراءة 3 دقائق

جان إيكوت*

مُنحت جائزة نوبل في الاقتصاد، العام الماضي، لاثنين من الاقتصاديين الذين يدرسون ديناميكيات (التهافت على البنوك)، ومُنحت أيضاً لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق بن برنانكي، لأبحاثه المرتبطة ببعض أسوأ الأزمات المصرفية في التاريخ، وكيفية تعاطي البنوك المركزية معها، على غرار الكساد الكبير في الثلاثينات. واليوم، يشهد العالم ديناميكية تهافت أخرى يمكن أن تؤدي آثارها المعدية إلى زعزعة استقرار الاقتصادات، وجلب الركود، وفرض تكاليف باهظة على دافعي الضرائب.

تلعب البنوك دوراً مزدوجاً في الاقتصاد، فهي تأخذ الودائع والمدخرات قصيرة الأجل، ثم تُقرضها على المدى الطويل في شكل رهون عقارية وقروض تجارية، واستثمارات أخرى. ويحدث التهافت على البنوك، أي تهافت العملاء لسحب ودائعهم البنكية في وقت واحد، عندما يزداد الخوف من ملاءة بنك ما، واحتمالية تخلفه عن السداد، ومن ثم الإفلاس، وبالتالي تبخّر الودائع. وبعد أن شهدت حالات مماثلة، وضعت إدارة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وتبعها آخرون في جميع أنحاء العالم، خططاً لطمأنة المودعين المذعورين بأن أموالهم في مكان آمن وسيستردونها.

وفي خلفية الحاصل مؤخراً، أعتقد أن لدينا الآن حلاً تقنياً يمكن أن يُنهي عمليات التهافت على البنوك إلى الأبد، من خلال اعتماد السلطة النقدية في أي بلد عملة رقمية للبنك المركزي، وتزويد جميع المودعين ودافعي الضرائب بحسابات رسمية مع فوائد مناسبة. فمن شأن نظام كهذا أن يزيل العديد من الحواجز أمام المعاملات المالية، ويجعل نظام المدفوعات الأوسع أكثر مرونة.

لن يشبه هذا النظام «الغرب المتوحش» للعملات المشفرة والمخططات الهرمية المضاربة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، كما لن يكون نظاماً مصرفياً اجتماعياً. ويوجد لدينا بالفعل الكثير من شركات التكنولوجيا المالية «فينتك»، التي تقدم تطبيقات فعالة وخدمات مبتكرة تتيح الدفع الفوري عبر الهاتف الذكي للمستخدمين الآخرين. ويمكن للمشغلين الماليين أنفسهم الوصول إلى أرصدة العملة الرقمية التي يحتفظ بها البنك المركزي والتنافس على جذب العملاء عبر خفض تكاليف المعاملات.

صحيح أن البنوك التقليدية تتنافس أيضاً؛ لكنها تفعل ذلك بشكل أسوأ وبكلفة باهظة للعملاء. فإذا كانت نسبة الفائدة المعروضة بين البنوك التي يفرضها البنك المركزي «إيبور» هي 3%، فإن البنك التقليدي الذي تتعامل معه يقدم لك، على أفضل تقدير، 1% من الأرباح على الوديعة، وال 2% المتبقية يحتفظ بها لنفسه. وعليه، يمكن للبنوك التقليدية أن تمارس سلطة احتكارية، لأنه لا يوجد تخليص فوري للمدفوعات. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، عادة ما يستغرق تحويل الأموال يومي عمل على الأقل، لتدخل حسابك المصرفي. ومما يزيد الطين بلّة، أن الإفراط في المخاطرة من جانب البنوك التقليدية يحول ودائعك الخالية من المخاطر إلى استثمار محفوف بالمخاطر، عندما يتعذر على البنك تلبية طلب السحب الخاص بك.

لكن، مع وجود عملة رقمية للبنك المركزي ذات فائدة مناسبة، فإن عملية «التهافت على البنوك» ستصبح أمراً مستحيلاً. وبصفته مقرض الملاذ الأخير، يمكن للمركزي إصدار أكبر قدر ممكن من الأموال إذا أراد المودعون سحب أموالهم في وقت واحد. وبسبب التحويلات السائلة والفورية بين المستخدمين، فإن المنافسة ستوفر عائداً بنسبة 3% صافية على هذه الودائع. بخلاف البنوك التقليدية، فمن يمكنه أن يعارض هذا الحل، ولماذا؟

لا شك في أن البنوك التقليدية ضرورية للنظام المالي لأنها توفر القيمة من خلال تقديم جميع أشكال القروض، وتحديد ما إذا كانت الأسر التي تتقدم فرضاً، بطلب للحصول على قروض عقارية قادرة على الوفاء بها، وما إذا كانت قروض الأعمال ستستخدم في استثمارات مربحة. ونظراً لأن الإقراض دائماً ما يكون محفوفاً بالمخاطر، فحتى أكثر البنوك تنافسية سوف يفرض «فرق سعر فائدة» على القرض.

ونظراً لأن البنوك يمكن أن تربح من خلال اللعب بأموال المودعين والاعتماد على الحكومة لإنقاذهم، فإنها تميل إلى تحمل الكثير من المخاطر. وهذا هو السبب في أن الأكاديميين والمنظمين جادلوا منذ فترة طويلة، بأنه البنوك يجب أن تخضع لمتطلبات رأس مال أعلى. وعندما لا يتمكنون من استخدام مدخرات الأسرة لتمويل استثمارات محفوفة بالمخاطر، أو الاعتماد على عمليات الإنقاذ الحكومية، فإن قدرتهم على المخاطرة ستنخفض بشكل حاد.

وفي حال اعتمادها، ستضبط عملات البنوك المركزية الرقمية السوق بالنسبة للقطاع المصرفي الأوسع. وستضطر البنوك التقليدية إلى التركيز على انتقاء القروض المربحة، وإغلاق معظم فروع خدمات الأفراد الخاصة بها. وبالمثل، فإن احتكار القلة لبطاقات الائتمان سيزول، وسنحصل على نظام دفع سلس تديره شبكة من المنافسين الذين يوفرون الوصول إلى حساب العملة الرقمية للبنك المركزي الخاص بكل فرد منا. وفي اقتصاد اليوم، ستحصل الأسر على 3% على الودائع محمية بأمان من أي شكل من أشكال «التهافت على البنوك».

* أستاذ الاقتصاد بجامعة «بومبيو فابرا» في برشلونة (تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye34hbht

عن الكاتب

أستاذ الاقتصاد بجامعة «بومبيو فابرا» في برشلونة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"