هل من سياسة إيرانية جديدة في الخليج؟

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. مصطفى الفقي
لقد كانت مفاجأة التوقيت بعودة العلاقات السعودية الإيرانية وإعلان فتح السفارتين، خلال أسابيع مقبلة، مصدر ارتياح ودهشة في الوقت ذاته، وأنا شخصياً أراه قراراً سعودياً حكيماً، ورغبة إيرانية ملحّة في هذه الفترة. إن انعكاسات هذه الخطوة على الساحة الإقليمية سوف تكون إيجابية إلى حد كبير، فهي تعني التهدئة في اليمن، والقبول في سوريا، والتفاؤل في لبنان، والارتياح في العراق حارس البوابة الشرقية لأمته العربية، ولذلك يحق لنا أن نتساءل هل تسعى إيران لتغيير سياستها، وأن تترك الشؤون الداخلية لأصحابها من دون الإصرار على أن تكون طرفاً في كل منها؟

كنا نتصور دائماً – وأنا شخصياً على الأقل – أن إيران يجب أن تكون قوة إضافية للعالم العربي، وليست خصماً له، بحكم الجوار الجغرافي والارتباط التاريخي، واضعين في الاعتبار أن الخلاف المذهبي لا يشكل عقبة في ذلك، فالمسلمون، شيعة، وسنة يؤمنون بالله، وبأركان الدين الحنيف، وكتابهم المقدس هو القرآن الكريم، وقبلتهم واحدة، وليست الخلافات بينهم إلا في تفسير الأحداث التاريخية التي جرت قبل واقعة التحكيم، وبعدها في القرن الأول الهجري.

وأستطيع أن أؤكد هنا، أن الشيعة العرب تسبق عروبتهم أي خلافات مذهبية في ظل الدين الحنيف، وقد ألقيت محاضرة عام 1989 بالعاصمة القطرية الدوحة، في افتتاح «منتدى الجسرة الثقافي» بدعوة من الأستاذ يوسف درويش، وحضرها عدد كبير، كان من بينهم الشيخ القرضاوي، وكنت أسعى أنا، وغيري، إلى أن تتحول إيران الثورة إلى داعم للوحدة العربية، وشريك للعمل العربي المشترك، بدلاً من أن تتحول إلى رأس حربة موجهة إلى العواصم المجاورة، ولذلك فإنني أتساءل اليوم هل تسعى إيران إلى تبنّي سياسات إقليمية جديدة، خصوصاً في ظل مشروعها النووي الذي ترفضه بشدة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤهما؟

إن دول الجوار العربي هي إيران وتركيا وإسرائيل ومؤخراً إثيوبيا، حيث تلعب كلها أدواراً تصب في مصالحها على حساب العرب إلا أن اليقظة التي دفعت الدول العربية المختلفة إلى تبني سياسات واعية استغلتها المملكة العربية السعودية بقرار ذكي قومياً، مطلوب عربياً، متسق دينياً ومذهبياً، لكي تتوقف المدافع والطائرات المسيرة فوق أرض اليمن، وغيرها من بلاد العرب، خصوصاً في الجزيرة والخليج، لندخل مرحلة تعاون مشترك مع دول الجوار بشرط احترام مبدأ سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، من أجل استقرار غرب آسيا وشمال إفريقيا، بل والمنطقة كلها بغير استثناء، خصوصاً أن طبول الحرب تدق غير بعيدة عنا، وتدخل الحرب الأوكرانية الروسية مرحلة معقدة تقذف بالبلدين، وربما بالعالم كله، نحو المجهول، وليسمح لي القارئ بأن أضع أمامه الملاحظتين الآتيتين:

*أولاً: إن تحسن العلاقات العربية الإيرانية - ولو نسبياً – أمر لا يسعد إسرائيل بمخاوفها المتزايدة من مستقبل النشاط النووي الإيراني، وشعورها الدائم بضرورة تحويل الخطر القادم إلى العرب من صورة دولة إسرائيل إلى مخاوف أخرى تجاه الدولة الفارسية، لكي تحل بديلاً عن الصراع العربي- الإسرائيلي، وتتحول إلى صراع عربي- فارسي، ولا شك في أن عودة العلاقات بين طهران والرياض هي خطوة على الطريق السليم، يمكن أن تتبعها خطوات أخرى، مثل عودة العلاقات إلى طبيعتها بين القاهرة وأنقرة، وهو أمر نتطلع إليه في الشهور المقبلة.

*ثانياً: إن تأثير عودة العلاقات بين السعودية وإيران سوف يؤدى بالضرورة إلى حالة من التهدئة والاسترخاء فوق هضاب اليمن وجباله، على نحو يرفع المعاناة عن الشعب اليمني الذي عانى طويلاً عبر تاريخه الذي جعل تسمية اليمن السعيد اسماً على غير مسمى، كما أنني أزعم أن التفاهم الإيجابي بين السعودية وإيران سوف ينعكس على الساحة اللبنانية، وقد يسرع باختيار رئيس توافقي، ويضع حداً للأوضاع الاقتصادية المتدهورة في ذلك البلد العربي الجميل، وقد رحبت مصر، من جانبها، بالخطوة السعودية الإيرانية، رغم أن مصر ذاتها قد جمدت التمثيل الدبلوماسي مع إيران عند مرحلة قسم رعاية المصالح منذ اندلاع الثورة الإسلامية فيها.

وأخيراً.. إن المهم هو النوايا الصادقة والخطوات المخلصة التي تقفز على حساسيات الماضي، ومشكلات الحاضر، من أجل إقليم شرق أوسطى يهدأ فيه الجميع بغير استثناء.. دعنا نأمل بذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yjp53w6p

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"