عادي

البابا فرنسيس.. محبة عابرة للحدود

01:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
البابا فرنسيس

د. أيمن سمير
تواضعه علامة مسجلة وحصرية، محبته للجميع شعار وحياة، رقص التانجو وسمع الموسيقى عندما كان طفلاً صغيراً، يمد يديه بالخير والسلام من دون تفرقه، هو أول بابا يأتي من أمريكا اللاتينية في تاريخ البابوات المئتين وستة وستين، وأول بابا من خارج أوروبا منذ نحو 1100 عام، ابتسامته تأسر الجميع، صاحب مشروع «الإيجابية والانفتاح والمساحات المشتركة»، يرى نفسه وسط الفقراء، دافع عنهم، وعمل معهم طوال حياته، عندما كان أسقفاً رفض أن يسكن في منزل رئيس الأساقفة الفخم، وعاش في شقة عادية، تخلى عن سيارة الليموزين، وكان يستقل المواصلات العامة، وحتى عندما أصبح بابا لكنيسة روما التي تضم نحو 1.3 مليار نسمة، رفض العيش في مقر البابوية، وعلى مدار 10 سنوات كاملة يعيش في كنيسة متواضعة للغاية داخل مبنى الفاتيكان، صاحب مهارة خاصة في إجادة وتعلم اللغات، فهو يتحدث بطلاقة اللغات الإيطالية والألمانية والإسبانية والإنجليزية.

عندما كان راهباً وأسقفاً ورئيساً للأساقفة في الأرجنتين كان أغلب أصدقائه من اللبنانيين، يحمل في قلبه حباً خاصاً لقيادة وشعب دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو أكثر الباباوات الذين زاروا الدول العربية، يعشق المسلمين، وهو من أكثر الزعماء الروحيين في العالم الذين دافعوا عن القضايا الإسلامية في العالم، له صداقة من طراز فريد مع فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر.

إنه البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان الذي أكمل في شهر مارس الماضي عشر سنوات كاملة في رئاسة الكنيسة التي ينتشر أتباعها في جميع أرجاء المسكونة، عشر سنوات من العمل والنجاح والتواضع والمحبة، «عشرية بيضاء» بامتياز من رجل قدم استقالته عندما أكمل عامه الخامس والسبعين، لكن البابا الراحل بندكت السادس رفضها، وهو بذلك أول بابا يتخذ من اسم فرنسيس في تاريخ باباوات الكنيسة الكاثوليكية، لأنه أراد أن يتخذ مسار وطريق العلامة «فرنسيس الأسيزي» الذي ظل طوال أكثر من 8 قرون رمزاً لخدمة الفقراء والطبقات الدنيا في المجتمعات الأوروبية، كما أن نجاح انتخاب البابا فرنسيس في الجولة الخامسة، وفي اليوم الثالث من الانتخابات المغلقة جاء ليؤكد أنها «أسرع وأقصر» الفترات الانتخابية «المغلقة» التي يتم فيها انتخاب بابا للكنيسة، والتي تمتد لأكثر من 2000 عام.

يؤمن البابا فرنسيس بأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي تجمع ولا تفرق، وأن جميع أنواع وأشكال الخلافات والنزاعات يمكن أن تحل في الجلسات الودية وموائد التفاوض والنقاش، دافع بقوة عن السلام في كل مكان، حذر من التداعيات والسلبيات الهائلة للصراع في أوكرانيا، نداءاته لا تتوقف لطرفي الصراع لتغليب لغة الإنسانية، وتحكيم العقل والقلب، لوقف الصراع وبدء صفحة جديدة، إيمانه بالإنسانية كان وراء منحه جواز سفره وأوراقه الثبوتية، عندما كان أسقفاً، لمن يشبهونه في الشكل حتى يساعدهم على الهرب أثناء الفترة الصعبة التي مرت بها الأرجنتين في نهاية سبعينات القرن الماضي، يكسب الآخرين «بقوة التسامح»، ويؤمن بالمقولة التي تقول «لا يكفي أن تسامح بل بالحري أن تنسى»، ولهذا نسي البابا فرنسيس كل الخلافات في الرأي والمواقف مع الرئيسة الأرجنتينية آنذاك كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، وكانت هي أول شخص يستضيفها ويشد على أياديها فور توليه منصب الباباوية

غسل أرجل المسلمين

لا تستطيع الكلمات والكتب ولا حتى المجلدات أن تسطر مواقف التواضع في حياة البابا فرنسيس، لكن يمكن الإشارة فقط إلى أنه أول بابا في التاريخ يقوم بغسل أرجل الناس من البسطاء ومن الأديان الأخرى، لذلك كان يذهب لدور الرعاية والفقراء وحتى إلى السجون ليغسل أرجل المساجين، وهو سلوك ينم عن تواضع غير مسبوق، فقط قام في إحدى زياراته للسجون بغسل أرجل 12 سجيناً، بينهم فتاتان، وهو أول أمر من نوعه في الكنيسة الكاثوليكية، وتقديراً كبيراً للمرأة، لكن درة هذا التواضع كانت في قيام البابا بغسل أرجل بسطاء وفقراء من جميع الديانات في العالم، ومنهم اثنان من المسلمين، وتعرف البابا إلى المسلمين منذ وقت مبكر في الأرجنتين، خاصة من جانب الجالية اللبنانية في بوينس أيرس، ولهذا يظل البابا فرنسيس أكثر باباوات الفاتيكان الذين زاروا الدول العربية، حيث كان أول بابا في التاريخ يزور شبه الجزيرة العربية عندما استقبله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظة الله» وبجواره فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر في مطار أبو ظبي الدولي يوم الأحد 3 فبراير 2019، واستمرت زيارته لدولة الإمارات 3 أيام، جرى خلالها التوقيع على «وثيقة الأخوة الإنسانية» في 4 فبراير 2019 من جانب البابا فرنسيس والدكتور أحمد الطيب، والتي تمثل إعلاناً مشتركاً، يحث على السلام بين الناس في العالم، وثمرة للصداقة والأخوية بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وهو ما جعل من تلك الوثيقة «نموذجاً للأجيال القادمة» في تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل، وتحقق كل ذلك برعاية وترتيب وتدبير الدولة القائدة في التسامح في العالم، وهي دولة الإمارات، وهو ما مهد إلى اعتماد الأمم المتحدة ليوم 4 فبراير من كل عام باعتباره «اليوم العالمي للأخوة الإنسانية».

7 زيارات عربية

حرص البابا فرنسيس على التواصل مع العالم العربي، امتد من المغرب غرباً وحتى الخليج العربي شرقاً، فسبق له أن زار الأراضي المقدسة في فلسطين في 24 مايو 2014، وفي 8 يونيو من نفس العام جمع البابا فرنسيس كلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز من أجل السلام في فلسطين والأراضي المحتلة، وزار البابا المغرب في 20 مارس 2019، كما زار مصر في 28 فبراير 2017، لكن زيارته للعراق، والتجول فيه طوال 4 أيام كاملة رغم الظروف الأمنية التي كان يمر بها العراق في عام 2021، كانت مصدراً للامتنان والشكر من جميع الشعوب والدول العربية، وفي نوفمبر الماضي كان البابا على موعد مع زيارة لدولة خليجية جديدة هي مملكة البحرين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5y785bfx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"