تحول علم الاقتصاد للتصدي لتغير المناخ

22:19 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

ترى دراسات اقتصادية أن تغير المناخ هو التحدي الأساسي الذي يواجه علم الاقتصاد في القرن الحادي والعشرين، على غرار العبودية التي شكلت القضية الأهم في القرن التاسع عشر. والاشتراكية - أي إرساء نظام جماعي يقوم على الملكية المشتركة – في القرن العشرين. وأن قضية المناخ تتعلق بسؤال حول من يكون له الحق في امتلاك الغلاف الجوي، ذلك الأصل الذي تبلغ قيمته عدة تريليونات من الدولارات. وأن تنظيم هذه الحقوق من عدمه تترتب عليه تداعيات كبيرة في الحالتين. كما أثبتت تلك الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تزايد النزاعات الأهلية وإبطاء وتيرة النمو الاقتصادي، وأنه مع زيادة حدة العواصف الاستوائية تتزايد وطأة التداعيات الاقتصادية ويطول أمدها. كما ترى أن محاولات مكافحة تغير المناخ من خلال محاكاة الانفجارات البركانية لحجب أشعة الشمس ستؤدى إلى تقلص المحاصيل الزراعية على مستوى العالم. وهنا لابد من التذكير بأن الدراسات المتعلقة بحساب الكلفة العالمية الحقيقية للانبعاثات الكربونية الناجمة عن غازات الدفيئة ستستغرق عدة سنوات أخرى. باعتبار أن «الكلفة الاجتماعية للكربون من أهم البيانات الاقتصادية التي نجهلها وسيكون لها دور كبير في صنع القرارات»، فلو علمناها لاستطعنا تحديد قيمة غلافنا الجوي باعتباره أصلاً.

وتشدد تلك الدراسات على أهمية النظر إلى الأمر من الناحية الاقتصادية وليس فقط من الناحية العلمية والفلسفية. نظراً لأن التغيرات المناخية تعد نتاجاً للنشاط الاقتصادي، وتنطوي إدارتها بالتالي على عدد من المفاضلات الاقتصادية.

وفي عام 2019 وأمام الكونجرس الأمريكي، أقر عدد من أصحاب تلك الدراسات بأن الآثار الحرارية المباشرة لظاهرة الاحترار خلال الثمانين عاماً المقبلة من شأنها خفض الدخول الأمريكية بمقدار 4.7 تريليون دولار أمريكي. وأنه في حالة ارتفاع الحرارة بدرجة واحدة، قد تصل الكلفة الناجمة عن تأثير تغير المناخ على الزراعة والطاقة والعمل والصحة والجريمة والمجتمعات الساحلية في الولايات المتحدة إلى 1.2 % من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي. كما ترتفع أيضاً معدلات الوفاة والانتحار والانتهاكات الجنسية والقتل والأضرار المرتبطة بالولادة جميعها ارتفاعاً هائلاً.

وترجع أهمية الدراسات الحديثة عن تغير المناخ أنها جسدت حدوث تحول في الأساليب البحثية التي ينتهجها اقتصاديو الدراسات الحديثة، فقد اعتمدت الدراسات السابقة حول اقتصاديات تغير المناخ على افتراضات عامة للغاية وليس بيانات دقيقة، وصدر معظمها عن باحثين فرديين أو مجموعات بحثية صغيرة. أما ذلك الجيل الجديد من الباحثين فقد استفاد من قواعد البيانات العملاقة الحديثة والقوة الهائلة لأجهزة الحاسب الآلي عالية القوة المتطورة وتطبيق العلم على السياسات والفرق الكبيرة متعددة التخصصات للتصدي لقضايا عالمية شائكة كتغير المناخ. وأصبح بالإمكان بناء نظم تتسم بالشفافية وتقوم على الأدلة والبراهين للاسترشاد بها في صياغة الأفكار واستخدام تلك الأدوات لمواجهة ليس تغير المناخ فحسب؛ بل يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً في إدارة جميع موارد الكوكب على أساس عادل ومستدام. ويتولى «مختبر التأثير المناخي» معالجة القضايا المرتبطة بتغير المناخ والتنمية والعنف والهجرة والكوارث باستخدام أساليب متطورة في مجال التحليل الإحصائي للبيانات الاقتصادية – الاقتصاد القياسي- وقوة الحاسبات الآلية المتقدمة. ويقوم فريق العمل بذلك المختبر باستخدام البيانات المناخية والاقتصادية المحلية لتوثيق كيفية تأثير المناخ على المجتمع، بدءاً من موجات الجفاف في كاليفورنيا وحتى الوفيات في الهند وإنتاجية العمالة في الصين.. واللافت أن هناك دراسات ترفض رغبة بعض المدافعين عن البيئة في عزو جميع المشكلات إلى تغير المناخ. واعتباره المشكلة الاقتصادية الوحيدة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nhsm7ujw

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"