كل رموز البريكست

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

تعدّ استقالة نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب، أو طلب رئيسه ريشي سوناك منه الاستقالة، بعد تقرير إهانته لموظفيه في الوزارات التي عمل بها من الخارجية إلى العدل، حلقة أخرى في مسلسل سقوط المجموعة المعادية لأوروبا في حزب المحافظين الحاكم. وحسب كثير من المعلقين في بريطانيا، فهي أيضاً ضربة قوية لرئيس الوزراء نفسه، وهو أيضاً من تلك المجموعة التي قادها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الذي اضطر للاستقالة غصباً.

 لم يبقَ من قيادات تلك المجموعة في الصفوف الأولى للسياسة البريطانية سوى مايكل غوف وزير الإسكان والمحليات في حكومة سوناك. حتى جاكوب ريس- موج، منظّر مجموعة الأبحاث الأوروبية في حزب المحافظين والأكثر تطرفاً في معاداة أوروبا، توارى في الصفوف الخلفية، بعدما كان رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الحاكم وبالتالي عضواً في الحكومة قبل مجيء سوناك للحكم العام الماضي.

 صحيح أن نحو نصف البريطانيين صوّتوا في استفتاء عام 2016 لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وليس كل هؤلاء من مؤيدي حزب المحافظين، بل إن زعيم حزب العمال المعارض حالياً السير كيير ستارمر كان مؤيداً لبريكست.

ومنذ الوصول لاتفاق بريكست نهاية عام 2020 بدأت رموز تلك المجموعة في التساقط، ووصل بعضها إلى انتهاك القانون بشكل فج. لم يكن سلوك هؤلاء خافياً من قبل، لكن فورة البريكست غطت على الكثير. على سبيل المثال، حليفة بوريس جونسون ووزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل طردتها تيريزا ماي من حكومتها قبل أكثر من خمس سنوات؛ لأنها قبلت رشوة من الإسرائيليين. مع ذلك أعادها جونسون للحكومة حين أطاح بماي في صراع حزبي داخلي.

 مع بدء تنفيذ البريكست بعد الاتفاق اكتشف معظم البريطانيين كيف أنهم خسروا الكثير ولم تتحقق أيّ من الوعود التي انتظروها من فوائد ورخاء اقتصادي. وظهر التدهور في مستوى المعيشة جلياً، ليس فقط بسبب أزمة وباء «كورونا» وإنما نتيجة خروجهم من الاتحاد. وأصبح الاقتصاد البريطاني أسوأ الاقتصادات المتقدمة أداءً وواجه المزارعون والصيادون وغيرهم من البريطانيين الذين صوتوا لبريكست تدهور أعمالهم وهم خارج الاتحاد الأوروبي. ولأن أكثر ما يؤثر في الناخب في هذه البلاد هو الجنيه، فقد تغير المزاج العام ولم يعد رموز البريكست نجوماً جماهيرية. وبدأت سوءات سلوكهم تتركز عليها الأضواء، وفشلت محاولاتهم في حرف الرأي العام عنها بادعاء أن مؤيدي أوروبا يشنون عليهم حملات.

 لم يمضِ وقت طويل على بوريس جونسون، الذي تزعم فريق بريكست، في رئاسة الحكومة حتى أقال كبير مستشاريه دومينيك كمنجز الذي كان له الفضل الأكبر في الترويج لحملة الخروج قبل الاستفتاء. وتوالت الفضائح والمشاكل حتى أصبح وجود جونسون في السلطة غير مقبول، فاستقال لتخلفه ليز تراس وهي من رموز البريكست. ولم تُمضِ ستة أسابيع في السلطة حتى كاد الاقتصاد البريطاني ينهار تماماً، فاضطرت للاستقالة. وخلفها سوناك، وهو من فريق بريكست أيضاً، ليواجه سقوط آخرين منهم رئيس الحزب ووزير الخزانة السابق لفترة قصيرة ناظم زهاوي.

 قدم حزب المحافظين سوناك للسلطة، حتى بدون انتخابات بين أعضاء الحزب، على اعتبار أنه قادر على ستر العورات و«تنظيف» الصفوف الأولى للمحافظين ممن يمكن أن يكلفوا الحزب خسارة الانتخابات العام القادم. لكن سوناك الآن يعاني ليس فقط ممن ضمهم في فريقه الحكومي، ولكن هو أيضاً تتكشف مشاكله. خاصة محاباته لثروة زوجته ضرائبياً وهو وزير خزانة في حكومة جونسون وحتى الآن وهو رئيس الحكومة.

 حين طرد بوريس جونسون مستشاره وخبير التضليل الإعلامي دومينيك كمنجز، بدأ الأخير في الكشف عن فضائح رئيسه السابق حتى اضطر للاستقالة من رئاسة الحكومة. مع أن كثيرين لا يتوقعون أن يفعل دومينيك راب الشئ نفسه مع حليفه سوناك.

 المهم، وبغض النظر عن الانتخابات ومستقبلها، فإن كل رموز البريكست في حزب المحافظين تتهاوى ويكتشف البريطانيون العاديون أن كل قياداتهم السياسية ليست فوق مستوى الشبهات. ورغم الصلف والعناد وعدم الاعتراف بأنهم خدعوا الناس ليصوتوا لبريكست، إلا أن الأوضاع المعيشية للشعب بشكل عام تضاعف من وقع هذا السقوط لرموز بريكست. لم يبقَ إلا أن يفوز حزب العمال ويكشف وجوده في السلطة عن نفاق زعيمه أيضاً باعتباره من مؤيدي بريكست ليفقد البريطانيون تماماً الثقة بأن خروجهم من أوروبا كان أفضل خيار لهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mumcje6b

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"