مواسم الهجرة إلى كل الجهات

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

عُدْ إلى قراءة «موسم الهجرة إلى الشمال» على وقع هجرة الآلاف وربما الملايين من السودانيين من الخرطوم إلى ولايات أخرى قد تكون أكثر أماناً لهم في هذه الحرب المسعورة، وأكثر ما تعود إليه هو الريف السوداني. عُدْ إلى السودان في الستينات من القرن العشرين حين صدور الرواية (1966)، حين كتبها الطيب صالح وهو في حوالي الرابعة والثلاثين من عمره.
عُدْ إلى الرخاء الفطري في وجوه وقلوب الناس في سودان الخمسينات والستينات من القرن العشرين قبل أن تُخْتَطَف تلك الفطرية من جانب حملة السلاح والعصيّ، وهم يتنّمرون على شعب سموحي إذا أردت أن تعرف روحه الشعبية فاقرأ «موسم الهجرة إلى الشمال» ولو من باب الحنين إلى سودان لم يكن جائعاً آنذاك على الأقل، ولم يكن منظر الجثث في الشوارع حالة بصرية يومية في حياة ناس هم بالولادة ضد القسوة والعنف.
اقرأ «موسم الهجرة إلى الشمال» مع تعديل طفيف في العنوان، وضع خطين أو عشرة تحت «مواسم» لهجرات قادمة مرتقبة ليس إلى الشمال الأوروبي فحسب، بل إلى جهات العالم الأربع، إذا انقسم السودان والسودانيون على أنفسهم، وعلى بلادهم بلا هوادة كما يجري عادة في حالات الانتقام، وتصفية الحسابات.
لا شأن لك أنت أخي العربي البسيط مثل بساطة أخيك السوداني بهذا الجنون المسلح، واقرأ «كانت ليلة قائظة من ليالي شهر يوليو، وكان النيل قد فاض ذاك العام أحد فيضاناته تلك التي تحدث مرة كل عشرين أو ثلاثين سنة، وتصبح أساطير يحدّث بها الآباء أبناءهم، وَغَمر الماء أغلب الأرض الممتدة بين الشاطئ وطرف الصحراء حيث تقوم البيوت، وبقيت الحقول كجزيرة وسط الماء».
وفي مشهد ريفي سوداني آخر« تلامس وجهي نسمات الليل الباردة التي تهب من الشمال محمّلة بالندى، محمّلة برائحة زهور الطلح.. ورائحة الأرض التي رويت لتوّها بالماء بعد ظمأ أيام.. ورائحة قناديل الذرة في منتصف نضجها، وعبير أشجار الزيتون».
وإذا أردت أن تعرف السودان زمان، فاقرأ تركة مصطفى سعيد بطل الرواية «ترك بعد موته، ستة أفدنة، وثلاث بقرات، وثوراً، وحمارين، وإحدى عشرة عنزة، وخمس نعجات، وثلاثين نخلة، وثلاثاً وعشرين شجرة بين سنط وطلح وحراز، وخمساً وعشرين شجرة ليمون ومثلها برتقال».
السوداني الذي كان عنده كل هذا الماء، وكل هذه النعمة.. كيف يجوع، وكيف يموت في الشارع؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yz24mwrv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"