سؤال الهجوم الأوكراني المضاد

00:06 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

مفتاح شعيب

طال انتظار الهجوم الأوكراني المضاد الذي تروّج له سلطات كييف وحلفاؤها الغربيون منذ نصف عام، على أمل استعادة الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية، بما فيها شبه جزيرة القرم، بينما يستمر إيقاع الحرب بطيئاً مستوعباً كل نظريات الاستنزاف العسكرية، ومنذ أشهر طويلة لم تستطع القوات الأوكرانية التقدم خارج خطوط دفاعها، ولم يتم حسم المعركة الشائكة في باخموت.

في الأيام الماضية، قالت أوكرانيا إنها استكملت جاهزيتها، وتسلمت المعدات اللازمة، من دبابات ومدافع ومقاتلات سوفييتية قديمة، لكنها تتطلع إلى أحوال الطقس حتى تختار التوقيت المناسب. الهجوم المضاد أو «هجوم الربيع»، ربما فات أوانه مع اقتراب فصل الصيف، وإلى الآن لم تحدث عمليات جدية توحي ببدئه باستثناء ضربات محدودة، سرعان ما ردت عليها روسيا بموجات قصف صاروخي، استهدفت مواقع حيوية ومنشآت عسكرية، تضم معدات غربية في كييف ومدن أخرى. وإذا عادت مثل هذه الضربات بقوة، بعد توقف نحو شهرين، فيمكن أن تجهض الهجوم المرتقب، الذي ما زال يجد حضوره في منصات مدوني الحرب الداعمين لأوكرانيا، وفي مواقف المسؤولين الغربيين المتحمسين لإلحاق هزيمة سريعة بروسيا. لكن كل ذلك لا يخفي الحذر الكبير الذي تتوخاه كييف وحلفاؤها، فالخطط وتفاصيلها معلومة لدى موسكو، وربما تعرف حدود هذا الهجوم، الذي لا تبالي به كثيراً، لأنها تعرف حدوده وأهدافه، ولو لمست جدية خطرة، لأعلنت بالمقابل عن خطط مضادة أو صعدت من عملياتها العسكرية الجارية.

الاحتمال الأقرب أن التلويح بالهجوم الأوكراني، الذي جرى التبجح به طويلاً، يدخل في سياق التصعيد السياسي والإعلامي كنوع من الضغط على روسيا، والدليل على ذلك أن المسؤولين في كييف بدأوا يميلون، على استحياء، إلى طرق باب المفاوضات الذي طالما رفضوه. وكان اتصال الرئيس فلوديمير زيلينسكي بالزعيم الصيني شي جين بينغ تأكيداً لهذا الميل، وتزامن ذلك مع تزايد تشكيك الأوساط الغربية في نجاعة العمليات العسكرية الأوكرانية، وعدم إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، مثل وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو، الذي أعرب عن قناعة، يشاطره فيها كثيرون، بأن ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا لن يحقق لها النصر على القوات الروسية، ودعا إلى ضرورة أن يتصدى العقلاء لهذه الأزمة، ويسارعوا إلى إخمادها قبل أن تتمدد إلى حدود أخرى.

ربما لن يحدث الهجوم المضاد، وتعلل السلطات الأوكرانية ذلك تارة بعدم توفر العتاد والذخيرة، وتارة أخرى بسبب رداءة الأحوال الجوية، ما يضمر رغبة في عدم خوض هذا الهجوم، وإنما التلويح به كنوع من الضغط على روسيا، لتقديم بعض التنازلات. وحتى إذا وقع هذا الهجوم فستكون نتائجه محدودة وغير حاسمة، وقد يستجلب رداً عسكريا روسياً ساحقاً، وفق ما تشير إليه أغلب التوقعات والمواقف الصادرة من موسكو.

بعد نحو 15 شهراً، يتضح أن هذه الحرب استنزفت جميع الأطراف بتفاوت، والجانب الأوكراني، الذي يتحفظ على خسائره، كان الأكثر تضرراً. كما أن داعميه بدأوا يضيقون ذرعاً من الدعم، والسؤال العالق وسط هذه المعمعة، ما البديل إذا لم يتحقق الهجوم المضاد أو إذا ما تم شنه ولم يحقق أهدافه المعلنة؟

chouaibmeftah@gmail.com

عن الكاتب:
إعلامي