خطوة نحو عودة العافية العربية

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

ها أن الموضوع السوري يخطو خطوة متواضعة وغامضة نحو الحل. ومع ذلك دعنا نحاول النظر إلى أساسيات ما يجري بموضوعية واتزان.

 أولاً، إن الذي يعود إلى مكانه الطبيعي في الجامعة العربية هو سوريا، شعباً مهماً وغالياً من شعوب الأمة العربية، وكياناً جغرافياً مفصلياً من كيان الوطن العربي الكبير، ورمزاً عروبياً ساطعاً في التاريخ الحضاري العربي وفي قلب النضالات الوطنية والقومية من أجل الاستقلال والحرية والكرامة والتقدم لأمته العربية.

 ولذلك فالعودة ليست انتصاراً لهذه القوة السياسية السورية أو تلك، ولا هزيمة لتلك الجهة السياسية السورية أو تلك. إنها عودة لهم جميعاً، وإنها تصحيح لخطأ مبدئي ارتكب، إذ لو طبق على الكثير من الأقطار العربية الأخرى لما بقي في الجامعة العربية إلا القليل القليل.

 ثانياً، إن اتخاذ ذلك القرار يبشر بإمكانية عودة العافية للجامعة العربية، إذ انتصرت وجهة نظر الأكثرية القومية على اعتراضات الأقلية المترددة، وشكل القرار رفضاً، ولو متواضعاً، للتدخل الاستعماري الأمريكي الوقح في الشؤون الداخلية العربية.

 لكن تلك الخطوة يجب أن لا تتوقف عند تحقق تلك الجوانب الرمزية، بالرغم من أهميتها ووعودها المستقبلية. فالمطلوب أن تقوم الجامعة بخطوات مكملة أخرى، إذا كانت تريد استعادة احترام الشعوب العربية لها ولوظائفها المفصلية في الحياة العربية كلها.

 أولاً يجب على الجامعة العربية اتخاذ قرار بالبدء بكسر الحصار الاقتصادي الجائر على أرض وثروات سوريا وشعبها، سواء كسره من قبل العرب في الحال أو بمطالبة دول التجمعات الإسلامية والعالم الثالث والمجتمع الدولي بأن لا تنصاع لإملاءات الدولة الاستعمارية الأمريكية. إن تلك الخطوة بالغة الأهمية بالنسبة للملايين من الشعب السوري المظلوم. إن الإدخال الأمريكي الجائر للشعب السوري في جحيم الفقر والجوع والمرض والجهل يجب أن يتوقف في الحال، خصوصاً إذا كنا سنتكلم عن عودة الملايين من المهجرين إلى قراهم ومدنهم لبناء حياتهم من جديد، وإذا كنا سنناقش إعادة بناء سوريا الخراب واليباب، وعودة كل شبر من الأرض السورية إلى السيادة الوطنية للقطر المستباح من قبل جهات كثيرة تحت ألف راية وراية ملفقة وباسم شعارات مزيفة كاذبة.

 ثانياً، ستحتاج الجامعة إلى أن تعض بأسنانها على موضوع المصالحة الداخلية الوطنية الديمقراطية العادلة، ولا تترك الموضوع إلى أن توصله إلى بر الأمان المعقول. إن ذلك سيحتاج إلى تكوين آلية وجهة عربية تتابع الموضوع وتقرب وجهات النظر ولكن أيضاً تحافظ على الثوابت الوطنية والقومية والوحدوية لسوريا العروبة والمقاومة والتاريخ المشهود.

 وإذا نجحت في تحقيق هذه الخطوة المهمة بالنسبة لسوريا، وأبعدت أي تدخل أمريكي كاذب وطامع وغير حقوقي في الشأن السوري، أو أي تدخل تلاعبي مظهري خاضع لشتى الضغوط من قبل بعض جهات الأمم المتحدة، فإنها ستعد نفسها لتلعب نفس الدور القومي التصالحي في ساحات أقطار أخرى من مثل ليبيا والسودان واليمن وتونس والعراق ولبنان وغيرها الكثير.

 ليس ما يطالب به الكثيرون من اتخاذ مثل تلك الخطوات الجريئة، وعودة الحيوية إلى الجامعة العربية، وإبعاد التدخلات الأمريكية والإسرائيلية القبيحة المتآمرة على الحياة العربية، ليس ذلك بالأمنيات الخيالية الحالمة، إنها ممكنة التحقق إذا ما توفرت إرادة سياسية عربية، عروبية الهوى، تضامنية وتوحيدية المنهج، ومستمعة إلى همسات الملايين من أبناء الأمة العربية، وعلى الأخص شبابها وشاباتها.

 موضوع عودة سوريا الشقيقة العزيزة ممكن أن يكون منطلقاً إلى أبعد من سوريا.. إلى كل جزء من أرض العرب المستباحة المدمرة لتقف في وجه الخارج الاستعماري والإسرائيلي، والإرهاب الجهادي المجنون، وأصحاب المصالح الأنانية في الداخل، وكل قوى التخلف الحضاري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddtjp9c

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"