ماذا بعد التذكير بالنكبة؟

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو
نرحب بقرار هيئة الأمم المتحدة بأن يكون هناك يوم في السنة لتذكير العالم بمأساة الشعب العربي الفلسطيني التاريخية، المستمرة إلى يومنا هذا، بل المتعاظمة مع مرور الوقت. لكن القرار، ولتعذرنا الهيئة، جاء متأخراً جداً، وفي شكل رمزي بحت، ومن دون ربطه بأفعال مطلوبة في الواقع، من أجل تصحيح نتائج الجريمة الاستعمارية بحق فلسطين المحتلة وملايين شعبها الواقعين تحت الاحتلال والمهجرين في كل بقاع الأرض.
وبالرغم من أن القرار الذي اتخذته الأمم المتحد عام 1947 كان ظالماً بحق الشعب الفلسطيني، لأنه أعطى أرضاً لمن لا يستحقها، وفرضته دول الغرب الاستعماري من أجل تعويض يهود أوروبا على ما لحق بهم من قبل ألمانيا النازية، وبالتالي كان قراراً ظالماً على حساب شعب عربي لم يكن مسؤولاً قط عن مشكلة يهود أوروبا مع دول أوروبا، ولا مشاركاً في ذرة مما حدث، بالرغم من ذلك، فإننا سنناقش الواقع الظالم من خلال مكونات الواقع الخبيث اللئيم.
* أولاً: يعرف القاصي والداني أن إسرائيل لم تلتزم قط، خلال خمس وسبعين سنة، بأي قرار أخذته الأمم المتحدة ويتعلق بالموضوع الفلسطيني. لقد احتقرت سلطات الاحتلال كل قرار يتعلق بإرجاع ولو ذرة واحدة من الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني. بل ومارس مؤخراً عتاة اليمين المتطرف كل أنواع الجرائم اللاإنسانية ضد شيوخ ونساء وأطفال فلسطين وضد كل مقدسات المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، ومع ذلك فكل ما تفعله المنظمة الدولية والمجتمع الدولي هو الدعوة المملة لالتزام الجميع (القاتل والضحية) الهدوء والسير في المفاوضات العبثية التي استعملتها إسرائيل للاستيلاء على تسعين في المئة من فلسطين التاريخية، وانتهى باعتبار الفلسطينيين إما كساكنين مؤقتين أو كمجرمين يُزَجُّ بالألوف منهم في السجون وتُدَمَّرُ بيوتهم وتُقتلع أشجار مزارعهم وتُسرق مياههم، وإما كأغراب يجب تهجيرهم بالحال في منافي الأرض.
السؤال: أليس المفروض أن تطرح هيئة الأمم على أعضائها فكرة معاقبة إسرائيل وإشعارها بأنها منبوذة؟ عبر خمس وسبعين سنة لم تحاول هيئة الأمم أن تحرر نفسها من سطوة التحكم الأمريكي الاستعماري، المدعوم من قبل الدول الأوروبية، في قرارات هيئة الأمم، لتثبت لنفسها وللعالم بأن هيئة الأمم هي بحق من أجل الجميع وباسم الجميع، وأنها أخيراً ستمارس العدالة في الموضوع الفلسطيني.
اليوم نسأل: كم قرن يجب أن يمر حتى يستيقظ ضمير العالم كي يعاقب إسرائيل على جرائمها، وليكفّر عن قراره الجائر الأصلي بسلخ جزء من فلسطين وإعطائه للأغراب دون أخذ رأي شعب فلسطين العرب الساكنين في تلك الأرض منذ آلاف السنين؟
* ثانياً: نقول للسلطات والأطراف الفلسطينية: ألم يحن الوقت للإعلان أمام العالم كله بأن خمساً وسبعين سنة من الآلام والعذابات والصبر والتنازلات لم تقنع إسرائيل بالتخلي عن أسطورة «أرض إسرائيل الكبرى»، وبالتالي أخذ كل فلسطين التاريخية كخطوة أولى، وأنها تقضم مزيداً من الأرض يومياً، وتمارس الجرائم يومياً. ومن هنا فإن الفلسطينيين وبقية شعوب الأمة العربية لن يقبلوا بعد الآن التفاوض إلا على أساس قيام دولة فلسطين العربية الموحدة الديمقراطية التي تضم كل العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين واليهود لمن يقبلوا أن يعيشوا بسلام مع الآخرين في أرض فلسطين كلها.
ويأمل الإنسان أن تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة مثل هذا القرار العادل الشجاع الذي يتحدى الظلم الأمريكي – الأوروبي الذي لم يكتف بما فعله منذ وعد بلفور الانجليزي المشؤوم، الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وإنما يستمر في التحالف مع إسرائيل، تارة باسم الدين المتخيل، وتارة باسم المصالح المالية الجشعة، من أجل تحقيق حلم باطل كاذب يخادع البشر ويتجرأ حتى على أن يخادع الله الحق العادل وقوانينه في خلقه.
بعد مرور ثلاثة أرباع القرن، آن أن تطرح أفكار جديدة وأن تفعّل إرادة جديدة قوية وأن تتحرر الإنسانية من كابوس كذبة كبرى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p85x6k6

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"