عادي

28 مايو.. الصندوق يحسم مستقبل تركيا

23:36 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

عكست نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية صورة تفصيلية لفسيفساء المجتمع التركي بمكوناته الإثنية وتعقيداته السياسية، محمولة على علاقات متشابكة بين ما هو داخلي وما هو خارجي، وقد حصد الرئيس رجب طيب أردوغان نتائج جيدة في صناديق الاقتراع على مدى عشرين عاماً سواء على الصعيد الشخصي؛ حيث لم يخسر أي جولة، أو على صعيد حزبه، العدالة والتنمية.

يجمع المراقبون على أن جملة تلك المعطيات كانت حاضرة في الانتخابات الأخيرة في إطار معزز من دعوات التغيير الجامحة التي ركبت المعارضة موجتها، مستفيدة من منعكسات الاستيلاء على السلطات كافة، بعد أن غيّر أردوغان نظام الحكم إلى رئاسي جمهوري، في تعبئة جماهير الشباب على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي كشفت عنه نسبة الإقبال على الصناديق التي بلغت أكثر من 93% من أعداد الناخبين المسجلين، وهي نسبة قياسية لم تسجل في أية انتخابات سابقة.

وأظهرت نتائج أهم انتخابات تشهدها تركيا في حقبة ما بعد السلطنة العثمانية، أن أردوغان الذي يُحكم قبضته على السلطة منذ عام 2003، ولم يهزم في أكثر من 10 انتخابات وطنية، أخفق بفارق طفيف عن تحقيق النسبة المطلوبة للفوز من الجولة الأولى عند 50% زائد صوت واحد.

وانتهت الجولة بحصوله على نسبة 49.4% وحصول منافسه الأقوى كمال كيليشدار أوغلو، زعيم تحالف المعارضة، على ما يقرب من 45% طبقاً للبيانات الرسمية.

الجولة الثانية

ومن المقرر أن تُجرى جولة الانتخابات الرئاسية الثانية للمرة الأولى في تاريخ تركيا رسمياً، في 28 مايو/ أيار. وقال أردوغان وسط هتافات مناصريه الصاخبة «أنا أؤمن من أعماق قلبي بأننا سنواصل خدمة شعبنا في السنوات الخمس المقبلة».

وتقرر الانتخابات الرئاسية ليس فقط من سيقود تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي التي يصل عدد سكانها إلى 85 مليون نسمة، وإنما ستحدد أيضاً إن كانت ستتجه نحو مسار أكثر علمانية وديمقراطية، وكيفية تعاملها مع أزمات الاقتصاد الراهنة، فضلاً عن إدارة علاقاتها المهمة مع روسيا والشرق الأوسط والغرب.

وكان أردوغان قد فاز في الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في 2018، من الجولة الأولى، بعد حصوله على أكثر من 52.5 في المئة من الأصوات.

ومعلوم أن أوغلو شخصية تاريخية تتمتع بمهارات قيادية، ويصمم هو وحلفاؤه على تحطيم آمال رجب طيب أردوغان في الحصول على ولاية ثالثة، أو على الأقل الحد من سلطات الرئيس.

يمثل هذا التجمع الذي يضم كلا من ميرال أكسنر ومنصور يافاس وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول «المشاغب»، أقوى تحد واجهه أردوغان على الإطلاق، ويأتي في الوقت الذي يتعرض فيه الرئيس وحزب العدالة والتنمية المهيمن منذ فترة طويلة، للخطر، وسط استياء من الحالة غير الجيدة للاقتصاد، والغضب من تعامل الحكومة مع ما خلفه الزلزال المزدوج الذي دمر جنوب شرق تركيا في أوائل فبراير/ شباط. ويحظى تحالف المعارضة بدعم المستثمرين الأجانب، وحملة السندات الذين يراهنون على عدم فوز أردوغان.

ويلتزم زعماء المعارضة التي تجمع بين القوميين والديمقراطيين الاجتماعيين، بالحد من صلاحيات منصب الرئيس. وربما يكون التعهد الأهم في برنامجهم المشترك، هو العودة إلى الشكل البرلماني للحكومة، ما يعكس التحول عن النظام الرئاسي الذي رسخه أردوغان بعد استفتاء عام 2017. كما يتجه أوغلو في حال فوزه إلى إحياء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وترميم العلاقات مع واشنطن في إطار عضوية حلف الناتو، والعودة إلى النظام العلماني بدلاً من «الأسلمة» التي فرضها حزب العدالة والتنمية.

لكن تغيير الدستور بشكل كامل يتطلب من أوغلو الفوز في الجولة الثانية، وأن يفوز تحالف الأمة الذي يقوده بأغلبية ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان. وهذا قد يكون مستحيلاً على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية في الجولة الأولى؛ حيث حصل تحالف العدالة والتنمية على 36% من مقاعد البرلمان مقابل 25% لتحالف الأمة. وتكفي الأغلبية البسيطة للدعوة إلى استفتاء جديد، لكن أردوغان وحزب العدالة والتنمية سيقاومان ذلك بكل قوة.

وربما يتخلى أوغلو طواعية عن بعض السلطات التي راكمها أردوغان، ويعزز دور المؤسسات التي أضعفها. ولعل أفضل بداية هنا تكمن في استعادة استقلال البنك المركزي، الذي أصبح في السنوات الأخيرة تحت سيطرة متزايدة من القصر الرئاسي، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم، وهبوط العملة، وفقدان ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي.

فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، سحب المستثمرون الأجانب أكثر من 60 مليار دولار من أسواق السندات والأسهم، وخفضوا حيازات الأصول المقومة بالليرة إلى أدنى مستوى.

أما أردوغان فيقود تحالفاً يضم خمسة أحزاب تحت اسم «الجمهور»، متسلحاً بعدد من الإنجازات التي تحققت خلال عهده الممتد منذ عام 2003. فقد شهدت تركيا تحولات شاملة وانقسامات سياسية، وحققت نمواً لافتاً لتصبح قوة عسكرية وجيوسياسية إقليمية وعالمية تلعب أدواراً في نزاعات تمتد من سوريا إلى أوكرانيا.

وقد حرص أردوغان على الإعلان عن عدد من الإنجازات عشية الانتخابات بما في ذلك زيادة رواتب العاملين في القطاع العام، في إطار حملته الدعائية التي أكد من خلالها المحافظة على النظام الرئاسي وعلى قوة الدولة ودعم تحالفاتها الإقليمية والدولية؛ بحيث تتحول إلى واحة للأمن والسلام.

ولم يغفل أردوغان الذي لم تكن مشاكل تركيا كلها نتيجة سياساته، خاصة عند الحديث عن الزلزال وتراكماته أو الحرب في أوكرانيا وما فرضته على تركيا من التزامات، من التركيز على إنعاش الاقتصاد التركي من خلال تحسين العلاقات مع دول الجوار، وتفعيل برنامج الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاقتصاد التركي.

فهل تمنح جولة الإعادة الرئيس أردوغان في غضون أسبوعين الوقت الكافي لإعادة تجميع صفوفه؟

يبدو أن العالم في حالة ترقب لما للنتائج من تداعيات على عدد من الملفات العالمية، سواء ما يجري في أوكرانيا وسوريا، أو المهاجرين في أوروبا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzevtjk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"