إعادة التدوير ورحلة الإمارات للاستدامة

21:17 مساء
قراءة 5 دقائق

مريم المنصوري*

باتت مهمة التخلص من المواد البلاستيكية الموجودة في البيئة أكثر تحدياً وصعوبة على نحو متزايد مع مرور الوقت. ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يشهد العالم سنوياً إعادة تدوير 9% فقط من النفايات البلاستيكية، بينما تتم إدارة نحو 22% من هذه النفايات بشكل سيّئ. وكما هو معروف للجميع، يتسبب تراكم النفايات البلاستيكية في مدافن النفايات والمحيطات في حدوث مشكلات بيئية خطِرة، بما في ذلك الإضرار بالحياة البرية والبحرية والنظم البيئية؛ لذا فقد أصبح من المهم للغاية التحرك لإيجاد حلول مبتكرة للحد من إنتاج البلاستيك، وزيادة معدلات إعادة التدوير.

عندما توقفت الصين عن شراء المواد البلاستيكية المهملة في العالم في عام 2017، أدى ذلك القرار إلى حالة من الاضطراب في الأسواق حول العالم، ولكن مع تزايد كميات النفايات البلاستيكية كل عام، أجبر هذا القرار الشركات والجهات المعنية بصناعة إعادة التدوير حول العالم على إعادة التفكير في نماذج أعمالها ومنظوماتها لإيجاد منافذ جديدة للنفايات البلاستيكية. وبرغم أن قرار الصين كان يُنظر إليه في البداية على أنه انتكاسة كبيرة، فإنه يمثل أيضاً فرصة عظيمة لقطاع إعادة التدوير في دول أخرى مثل الإمارات.

وتتمتع دولة الإمارات بمكانة متميزة ووضع مثالي لتصبح مركزاً عالمياً لإعادة التدوير، وتعمل الحكومة على تنفيذ العديد من المبادرات بشكل منهجي للوصول إلى هذه الغاية؛ إذ اتخذت دولة الإمارات زمام المبادرة في إطلاق «سياسة الحد من الأكياس ذات الاستخدام الواحد» (SUPP) إلى جانب فرض حظر على المنتجات البلاستيكية غير القابلة للتحلل الحيوي. وإدراكاً منها لمدى الحاجة إلى إيجاد حلول مبتكرة للتصدي للتلوث البلاستيكي، دعمت حكومة الإمارات إطلاق أول منصة لتداول البلاستيك المعاد تدويره والقابل لإعادة التدوير - وهي إحدى المبادرات والحلول المبتكرة التي تقدمها دولة الإمارات إلى العالم. وقد أنشأت إمارة أبوظبي مركز إدارة النفايات (CWM) لمراقبة وتنسيق جميع الأنشطة المتعلقة بالإدارة المستدامة للنفايات. وتعمل إمارة الشارقة أيضاً على تحقيق أهدافها المتعلقة بتحويل النفايات بالكامل بعيداً عن المكبّات بنسبة 100%.

ومع اقترابنا من عقد قمة المناخ «كوب 28» التي تستضيفها دولة الإمارات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يشهد قطاع إعادة تدوير البلاستيك في الدولة تطورات بوتيرة متسارعة وديناميكية للغاية. فقد شهدت أبوظبي الإعلان عن مشروع إنشاء مرفق لإعادة تدوير مادة «البولي إيثيلين تيريفثاليت» بسعة 12 ألف طن سنوياً. وتماشياً مع جهود دولة الإمارات للحد من التلوث البلاستيكي وتعزيز التجارة من خلال تصدير المواد المعاد تدويرها، سيعيد المرفق الجديد تدوير مادة «البولي إيثيلين تيريفثاليت»، وهي مادة بلاستيكية تستخدم في تغليف المواد الغذائية، مثل العبوات البلاستيكية للمياه. ومن المقرر أن تُسهم المنشأة التي تبلغ مساحتها 40 ألف متر مربع في خلق 100 فرصة عمل وتفادي 18 ألف طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً بكامل طاقتها التشغيلية.

ويتماشى هذا التقدم في قطاع إعادة التدوير مع القرار الوزاري الصادر عن وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات، بشأن تنظيم تصنيع وتجارة عبوات المياه البلاستيكية المعاد تدويرها، بما يدعم نمو الصناعات المستدامة والاقتصاد الدائري. ويهدف هذا القرار إلى تسهيل تصنيع عبوات المياه باستخدام المواد البلاستيكية المعاد تدويرها، بما يتماشى مع أعلى معايير الصحة العامة وسلامة الأغذية. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تفادي نحو 50 ألف طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتعزيز القيمة الوطنية المضافة بمقدار 150 مليون درهم إماراتي سنوياً، وخلق أكثر من 1000 فرصة عمل.

وبفضل الاستثمارات والبيئة التنظيمية المواتية التي يتمتع بها الاقتصاد الإماراتي، فإن الدولة تسير بخطى واثقة وعلى المسار الصحيح لأن تصبح مركزاً عالمياً لإعادة تدوير البلاستيك، من خلال الاستفادة من القرار الذي اتخذته الصين، فضلاً على الدعم المستمر من جانب الحكومة لمجموعة من المبادرات، بما في ذلك تقنيات إعادة التدوير وتحويل النفايات إلى طاقة وتحسين البنية التحتية لإدارة النفايات. وبفضل موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتقدمة والتزامها بتعزيز ممارسات الاستدامة، تجذب دولة الإمارات استثمارات من الشركات العالمية في مجال إعادة التدوير. وفي المستقبل القريب، ينبغي العمل على توسيع نطاق قطاع إعادة التدوير في الدولة وجميع المجالات والعمليات ذات الصلة، بما يُسهم في تحقيق مستهدفات الاقتصاد الدائري.

أولاً، تلعب التقنيات المستخدمة في تجميع المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير وفرزها دوراً مهماً في تعزيز كفاءة نظام إدارة النفايات وضمان توفيره بمستوى عالٍ من الأداء. وفي الوقت الذي شهدت فيه تقنيات إعادة التدوير والفرز تحسناً ملحوظاً في السنوات الماضية، إلا أنه لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمارات بالإضافة إلى تعزيز عمليات البحث والتطوير لتحسين جودة المواد المعاد تدويرها باستمرار.

ثانياً، يجب أن نسعى دائماً نحو تطوير عقلية تعاونية في مجال إعادة تدوير البلاستيك بهدف خلق بيئة مواتية للتمويل الأخضر. وتنص منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) على أن «تجارة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير يمكن أن توفر فرصاً محتملة لخلق اقتصاد دائري عالمي من خلال تسهيل نقل النفايات والمواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير إلى الوجهات التي تمتلك البنية التحتية والإمكانيات اللازمة لفرز هذه المواد ومعالجتها». وتوفر المنصات المبتكرة مثل منصة ريباوند لتداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها قنوات سلسة للمشترين والبائعين تسمح لهم بتداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها والقابلة لإعادة التدوير على نحو فعّال وموثوق، بما يُسهم في نهاية المطاف في تحقيق تحولات اقتصادية إيجابية. 

وفي الواقع، لا يمكن تحقيق مستهدفات الاستدامة والاقتصاد الأخضر في دولة الإمارات، ما لم ننجح في تخطي المألوف والذهاب بعيداً نحو ابتكار حلول جديدة تدعم هذه المستهدفات على المدى الطويل. ويشكل الأفراد والمستهلكون أساس منظومة الاقتصاد الدائري بأكملها، ما يعني ضرورة العمل على إرساء أسس متينة لبناء منظومة متكاملة ومتقدمة لإعادة تدوير المواد البلاستيكية تبدأ من المستهلكين أنفسهم. وبشكل أساسي تعتمد المنظومات المتقدمة والمتطورة للاقتصاد الدائري على مدى نجاحنا في الفصل بين المواد عند نقطة الإنتاج، وتمثل التقنيات المتقدمة لعمليات إعادة التدوير ضرورة حيوية هنا.

ولطالما اشتهرت دولة الإمارات بقدرتها على تطوير القدرات واعتماد أحدث التقنيات في شتى المجالات. وبات من المهم الآن أن تتجه مختلف القطاعات نحو إعادة تقييم نماذج أعمالها، من خلال تسريع الابتكارات التي يمكن أن تساعد في تلبية الطلب المتزايد في السوق على المواد البلاستيكية المعاد تدويرها. ويمكن تحقيق التحول الحقيقي الذي نطمح إليه جميعاً من خلال العمل بشكل تعاوني مع مختلف الجهات المعنية وأصحاب المصلحة، وإنشاء إطار تنظيمي من شأنه تعزيز الظروف والبيئة المواتية لإعادة تدوير المواد البلاستيكية على نحو مستدام. وتلعب المنصات المتطورة لتداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها والتي تعتمد في عملياتها على الرؤى القائمة على البيانات كأساس لاتخاذ جميع القرارت، دوراً رئيسياً في دعم جهود دولة الإمارات ورؤيتها نحو تعزيز التنمية المستدامة، وترسيخ مكانتها في مجال الاقتصاد الدائري إقليمياً وعالمياً.

* المدير العام لشركة ريباوند المحدودة – ريباوند بلاستيك إكستشينج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/26eayw93

عن الكاتب

المدير العام لشركة ريباوند المحدودة – ريباوند بلاستيك إكستشينج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"