المحرِّض المستتر

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

لا نكاد نحني الرأس بانتظار مرور عاصفة فنخرج منها سالمين، حتى تهب أخرى محاولة جرفنا وزعزعتنا، بهدف اقتلاعنا من جذورنا وجرفنا إلى حيث تشاء؛ نعم قدرنا نحن البشر أن نعيش في تقلبات وأن تتغير أحوالنا، ما دامت النفوس تواقة للتغيير، وما دامت هناك نزعة قوية لدى فئات من البشر تفضل الظلام على النور، والشر على الخير واللامعقول على المعقول، وكسر كل الحدود وكل المعتقدات والثوابت وخلخلة القيم وهدمها..

لا ظاهرة رفع صوت حركة، أو مجتمع «الميم» حديثة الولادة، ولا حركة «الأفروسنتريك» جديدة، لكن يبدو أن هناك من يريد اليوم تحريك المياه الراكدة وإشعال الفتن في منطقتنا بطرق مختلفة، فللحروب وسائل وأسلحة عدة تستخدمها منها الفن والثقافة والتاريخ.. وهذا «المحرّض المستتر» يستخدم الفن والثقافة، لغسل أدمغة الشعوب والتسلل رويداً رويداً لاحتلال العقول والشوارع والبيوت وتغيير المعتقدات والتاريخ وكل الثوابت، وتصبح «المثلية» مقبولة وتقتنع الأجيال الجديدة والفتيّة بأنها طبيعية لا شواذ ولا شذوذ فيها، وتصبح «الأفروسنتريك» واقعاً معتمداً، تلغي التاريخ وتطمس كل الحقائق،والكل يبصم ويصدّق ويقرّ بحقوق يريدون اغتصابها عنوة أمام مرأى ومسمع من العالم وما علينا سوى الموافقة والتزام الصمت!.

حركة «الأفروسنتريك» ولدت عام 1928 في الولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا لم نسمع عنها سابقاً أو لم تثر فضولنا قبل اليوم؟ لأنها ببساطة كانت تركز على تحريض الأمريكيين من أصل إفريقي، وهي التي تقف خلف موجة الأفلام التي بدأت تظهر بقوة في الفترة الأخيرة، مركزة الضوء على شخصيات نسائية إفريقية منها الحقيقي ومنها الخيالي مثل فيلمي «المرأة الملك» و«واكندا للأبد».

لهم مطلق الحرية في فبركة أفلام من صنع الخيال لشخصيات حقيقية أو وهمية تنتمي لبيئتهم، لكن تلك الحرية يجب أن تلتزم بحدود حرية الآخر واحترام فكره وحقوقه، هؤلاء الذين عانوا الفكر العنصري، يطبقونه اليوم من خلال «الأفروسنتريك» وتعمدهم طمس التاريخ وتغييره، ليتناسب مع معتقداتهم وعنصريتهم؛ لذلك صنعوا من الملكة كليوباترا امرأة إفريقية، وهم يعلمون جيداً أنها لم تكن سوداء ولا حتى سمراء، ويعلمون أنها كانت آخر حكام البطالمة في مصر، لذا تعمدوا دس السم في حديث إحدى الشخصيات الحقيقية التي تروي ماضيها، قائلة إن جدتها قالت لها «دعكِ من كل ما قالوه لك في المدرسة..» والدعوة واضحة لا لبس فيها إلى دحض كل ما ذكرته الكتب وذكره المؤرخون وعلماء الآثار حول كليوباترا وعائلتها وحكمها في مصر، وتأكيد نظرية أن من حكم مصر هم «الزنوج» أو الأفارقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8fcmud

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"