دروس من أحداث 16 مايو بالمغرب

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

شهدت العاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء بتاريخ 16 مايو/ أيار من عام 2003 أحداثاً إرهابية خطرة، ترتب عليها سقوط 45 ضحية (من ضمنهم 12 شخصاً من الضالعين في العمليات)، بعد قيام مجموعة من المتطرفين بهجمات انتحارية على مناطق عدة في المدينة. وقد كانت هذه الأحداث بمثابة إنذار نبّه المغرب إلى خطر الإرهاب الذي أضحى يتمدّد بشكل متسارع عبر الحدود.

  تمّت العمليات في مرحلة حقّق المغرب خلالها مجموعة من المكتسبات السياسية، مع وصول المعارضة إلى الحكومة بقيادة الراحل عبد الرحمن اليوسفي، كما وقعت أيضاً في أعقاب اعتماد مجموعة من المبادرات والخطوات الداعمة لحقوق الإنسان، ما جعلها تؤثر بالسلب في هذه الدينامية، حيث أفرزت حالة من الخوف داخل المجتمع، إزاء نشاط هذه التيارات، التي لا تؤمن بالحوار أو بالتداول السلمي للسلطة.

  وقد عبّرت الكثير من القوى السياسية والاجتماعية والأكاديمية والنخب الدينية عن رفضها وإدانتها لهذه العمليات، التي تتناقض مع قيم المغاربة الذين اعتادوا على الحوار والتشبع بالتسامح والوسطية، وتهدد أمن واستقرار الدولة والمجتمع. كما أن عدداً من دول العالم عبرت عن إدانتها لهذه العمليات.

  ورغم خطورتها وانعكاساتها السلبية، استطاع المغرب أن يحوّلها إلى لحظة لاستقاء الدروس والعِبر، وتحصين المستقبل، حيث تم فتح نقاشات عمومية واسعة، قادتها الكثير من المؤسسات الجامعية والقنوات الإعلامية الرسمية والخاصة، وهيئات المجتمع المدني، رصدت في مجملها خطورة الآفة، وحاولت الوقوف عند مختلف العوامل المغذية لها، في أبعادها التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

  وبالموازاة مع ذلك، قامت السلطات الأمنية باعتقال عدد من الإسلاميين المشتبه في علاقتهم بالإرهاب (تحدثت بعض التقارير عن أكثر من 2000 شخص)، ما خلّف انتقادات حقوقية إزاء خروقات رافقت هذه التدابير التي تمّت تحت هول الصدمة.

  ومنذ ذلك الحين، وعلاوة على الانخراط في الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى محاصرة الظاهرة، اتخذ المغرب مجموعة من التدابير والإجراءات التي اتسمت في مجملها بالشمولية، عكسها صدور تشريعات وبلورة سياسات عمومية وتدابير مختلفة تدعم تطويق الظاهرة، والحدّ من مخاطرها.

  فعلى المستوى القانوني، تم إصدار مجموعة من التشريعات التي سعت إلى تجريم الظاهرة الإرهابية ومواكبة تطوراتها، بخاصة في ما يتصل بتحديد مفهوم الجريمة الإرهابية، وتجريم الالتحاق ببؤر التوتر، والإشادة بالإرهاب، وتوظيف تكنولوجيا الاتصال الحديثة في هذا الخصوص. 

  وعلى مستوى تدبير الشأن الديني، تمّت مراجعة السياسات العمومية المعتمدة في هذا الخصوص، في ما يتعلق بتأطير وتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وتحسين أحوالهم الاجتماعية، وتنظيم شؤون المساجد، وإعادة هيكلة التعليم الديني، والتأكيد على الثوابت الدينية للدولة المبنية على الوسطية والاعتدال.

  ولقيت العديد من البرامج التعليمية مراجعة، باتجاه مزيد من ترسيخ قيم الحوار والتسامح ونبذ العنف، كما تمت تهيئة مجموعة من الأحياء الهامشية في عدد من المدن. أما في ما يتعلق بالجانب الردعي، فقد اعتمدت مقاربة تجمع بين البعدين الوقائي والعلاجي، من خلال تفكيك عدد من الخلايا النائمة، واعتقال عدد من التورطين في أعمال إرهابية، أو منتمين لجماعات متطرفة، ومحاكمتهم.

  ومن خلال تقييم السياسات المتبعة في هذا الخصوص على امتداد العقدين الماضيين، يمكن القول إن المغرب تمكن من إرساء تجربة، إقليمية ودولية، واعدة على مستوى التصدي للظاهرة الإرهابية، عبر الاشتغال على عدد من المداخل في إطار من التكامل والشمولية.

  ويشكل الإرهاب أحد التهديدات الخطرة العابرة للحدود التي تخيم بظلالها القاتمة على السلم والأمن الدوليين، ورغم الجهود المبذولة في السياقين، الوطني والدولي، إلا أن الواقع يؤكد أنه ما زال يتمدد ويتطور، ويهدد أمن واستقرار الدول، ما يفرض بذل مزيد من الجهود لمواكبة التحديات التي يفرضها، وبخاصة مع التطورات الرقمية المذهلة، وتزايد بؤر التوتر عبر العالم التي تجذب إليها الجماعات المتطرفة.

 إن استحضار ذكرى أحداث 16 مايو/ ايار القاسية، يمثل لحظة للتأمل، واستخلاص الدروس، كما تشكل دافعاً لترسيخ تنشئة اجتماعية تعطي الأولوية لبناء إنسان منفتح، يؤمن بالحوار وينبذ العنف والتشدد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdejewwh

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"