- المكتبة.. كل مكتبة مدينة.
- وما أجمل هذه المدينة التي أدخلها خائفاً، وحيداً، جائعاً، وأخرج منها سيداً، ولي حاشية من النسّاخين والورّاقين..
- المكتبة فردوس القراءة.
- عدت ذات ليل متأخراً إلى منزلي، وإذ كانت المكتبة هي أولى الحجرات التي أدلف إليها بكل صمتي وطمأنينتي، أخذت فجأة أصغي إلى هذه الحواريات الهامسة الخارجة من متون الكتب:
= عوليس: عدتُ للتوّ إلى إيثاكة، وعلى العكس مما كتب هوميروس كانت بينيلوب قد تزوّجت من أحد أعيان المدينة.
= بورخيس: كان عليك، إذاً، أن تعود إلى البحر.
= ثربانتس: ولكن لا طواحين في البحر لكي يحاربها عوليس، كما أفعل أنا على الأرض.
= دانتي: لا بأس نبني جحيماً لكل هذه الكوميديا الإنسية وليست الإلهية، إذْ لم أعرف امرأة واحدة في الأسطورة فعلت ما فعلته بينيلوب.
= بدر شاكر السيّاب: وأنا كتبت ذات يوم شيئاً مثل خيبة عوليس، كتبت: «أحبّيني.. فجميع من أحببت ما أحبّوني».
= جاك بريفير: دعكم أيها القوم من هذه الروايات في هذا الوقت المتأخر من الليل، واصغوا إلى المطر في باريس، حيث أمضيت عمري وأنا أكتب على الأرصفة.
= بيَسَوا: أما أنا فقد كتبت مستنداً إلى جدار ولي أكثر من ثلاثين اسماً في البرتغال.
= نيرودا: لي اسم واحد هو بابلو، وهو أيضاً مستعار مثل أسمائك الخرافية المستعارة.
= نجيب محفوظ: ولماذا تكتبون بأسماء مستعارة ومن أماكن مستعارة أيضاً؟ لقد أمضيت حياتي في حارة طيّبة بسيطة في القاهرة، ومنها إلى نوبل.
= كونديرا: يا لك من موظف حكومي بائس كان العالم بالنسبة إليه يتكثف في حدود مصر، ولا يستحق الجائزة.
= طاغور: في ذلك ثمة ما هو بعيد عن الإنصاف، الرجل سارد وحكّاء بامتياز، أما أنت يا صاحب الخفّة الثقيلة، فما عليك سوى أن تعود إلى لغتك الأم. ودعك من الفرنسية هذه، لغة الارستقراط والعطر والبسكويت.
= أمين معلوف: وما المانع في أن يكتب الإنسان بلغة غير لغته؟
= مالك حدّاد: ذلك أن العربية كانت وطني، والفرنسية منفاي.