باخموت وما بعدها

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بعد معارك عنيفة استمرت 224 يوماً، استنزف فيها الجيشان الروسي والأوكراني الكثير من الجنود والسلاح، تمكنت القوات الروسية من السيطرة على المدينة؛ لتحقق بذلك نصراً معنوياً قد يعيد الحيوية للقوات الروسية، لتنطلق بعدها نحو مناطق أخرى في منطقة دونيتسك.

 باخموت، التي تعتبرها أوكرانيا «قلعة المعنويات» أو ما تسميه ب«القلعة المنيعة»، شكل وقوعها في يد الروس، ضربة كبيرة للروح القتالية للجيش الأوكراني، وهزيمة سياسية لأوكرانيا التي أصرّت على المضي في المعركة حتى الرمق الأخير، على الرغم من توقعات الخبراء والمحللين والسياسيين بحتمية سقوط المدينة، ومن المتوقع أن تقلل هذه الخسارة أيضاً من فرص شن ما يسمى «هجوم الربيع»، الذي تروّج له كييف منذ أشهر دون أي خطوة حقيقية، حتى في ظل الدعم الغربي اللامحدود عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

أما على مستوى مكاسب روسيا، فإنها ستنقل المعارك لمناطق أكبر مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، كما ستشكل منطقة إمداد وقاعدة لوجستية لمد القوات باحتياجاتها، وستفتح شهية الجيش للتقدم جنوباً. فالسيطرة الروسية على باخموت جاءت متزامنة مع تجهيزات دفاعية تقوم بها موسكو في خيرسون وزابوريجيا، تمهيداً للتوسع مجدداً لتعزيز أمنهما؛ لذا فإن الهزيمة الأوكرانية الأخيرة قد تجرّ هزائم أخرى على الجبهات، وستسقط المدن تباعاً كقطع الدومينو.

 زيلينسكي أعلن أكثر من مرة أنه لن يسمح باستسلام هذه المدينة التي أعلنها رمزاً جديداً للمقاومة، وأنها لا بد من أن تكون نقطة تحول في مسار الصراع، وهذا ما يفسر الإصرار الروسي في السيطرة على المدينة، ليس لقيمتها الاستراتيجية فحسب، بل لزعزعة كييف، وتحطيم الدفاعات على خط الجبهة، وإفشال «هجوم الربيع»، وكانت السيطرة عليها أيضاً بمنزلة رسالة للغرب، كتبت بدماء آلاف الجنود، أن روسيا ستحقق أهدافهما، حتى لو وضع كل الأسلحة في يد الأوكرانيين.

 لكن الأمر لن يكون بالسهولة أمام الروس، فالمدينة الصغيرة كانت حقل ألغام استنزفت قواها إلى حد كبير، وحتى وإن فقدتها أوكرانيا، فإنها بصمودها لأيام طويلة، أعطت انطباعاً عن طبيعة القوات التي استبسلت في الدفاع عن المدينة، وهذا يعني أنه لن يكون تقدم الجيش الروسي نزهة، بل إنه محفوف بمخاطر كبيرة، وسيلقى مواجهة شرسة قد تؤلم موسكو إلى حد كبير.

 من الواضح أن ما يحدث هو حرب استنزاف أرادها الغرب ووقعت بها روسيا، لكن استطاعت موسكو تدارك الأمر، عبر اتباع السياسة ذاتها، باستنزاف أوكرانيا بشرياً ومادياً وجغرافياً، والغرب اقتصادياً الذي أصبح بالفعل يعاني من هذه الحرب المستمرة.

 يبدو أن روسيا اعتادت على هذه الحرب التي قد تطول لسنوات، لكن وعلى الرغم من خسائرها على الصعُد كافة، فإنها أيضاً تكبد الغرب خسائر في المقابل، لا يمكن تعويضها لسنوات؛ لذا فإن معركة باخموت هي جزء من حرب عالمية كبيرة تخاض على أرض أوكرانيا، لكن يبقى الأمل معقوداً أن تحصر في نطاقها؛ لأنه في حال تصاعد الصدام بين الأقطاب فإن العالم كله سيحترق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/psudmkde

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"